فنانو الشعوب الأولى.. احتجاج وهذيان

ثقافة 2024/05/26
...

 أليكس نيدهام

 ترجمة: مي اسماعيل


تحت عنوان "أجانب في كل مكان" يطرح بينالي البندقية 2024 بنسخته الستين منظور الصراع مع الهويات الجغرافية والشخصية. 

وتحت شعار "أجنبي، وطني، أصلي". يكمن المبدأ المُعقّد "والمثير للجدل غالبا" عن القومية والانتماء؛ والذي يسعى البينالي هنا لاستكشاف الهوية من خلاله. 

يجري تنظيم هذا الحدث الدولي الذي يستمر للفترة من 20 نيسان الى 24 تشرين الثاني القادم، بصورة لافتة للاهتمام، و"إن كان البعض يعتبرها ذات منظور قديم"، بصيغة أجنحة وطنية. وانطلاقا من هذا المفهوم اختارت العديد من الدول استكشاف أفكار الوطنية والانتماء والغربة. لكن هذا وبالمفهوم الجمعي، يطرح سؤالا عن مدى فاعلية تقسيم العارضين في البينالي إلى صالات عرض وطنية. 

رغم أن هذا لم يكن الحضور الأول للشعوب الأصلية في بينالي البندقية؛ إذ سبق استضافة فناني شعوب "سامي" الأصلية من الدنمارك عام 2022. لكن هذا العام شهد حضورا طاغيا لفن الشعوب الأصلية، والفكرة هنا أن الاستعمار يُشعِر المرء وكأنه غريب في وطنه؛ إضافة لمحو الثقافة وسرقة الأرض؛ وفي أسوأ الاحوال.. قتل المواطنين. لذا نرى تكريس العديد من الأجنحة الأعمال الفنية للتساؤل حول الهوية الوطنية وتعقيداتها التاريخية والدائمة. كما جرى لفت الانتباه إلى نمط التوزيع المكاني الصارم نوعا ما؛ ولعل الوقت قد حان لتبني نموذجٍ مختلف أقل توجهاً نحو التأمل الوطني وأكثر نحو الترابط والحوار الدوليين.

إقتبس بينالي عام 2024 عنوانه "الأجانب في كل مكان" من اسم مجموعة تورينو التي حاربت العنصرية وكراهية الأجانب في إيطاليا أوائل العقد الأول من القرن الحالي. وعن هذا يقول "أدريانو بيدروسا" القيّم على البينالي: "لهذا التعبير معانٍ متعددة؛ فبدءاً.. أينما ذهبت وأينما كنت ستُقابل دائما أجانب.. هم/ نحن في كل مكان. وثانيا، بغض النظر عن المكان الذي تجد نفسك فيه، فأنت دائما في أعماقك أجنبي  حقا".

تحت عنوان "نواة تاريخية" تجمع أحد جوانب البينالي أعمالاً من أمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا في القرن العشرين؛ وهو ما يصفه بيدروسا بقوله: "الجميع على دراية بتاريخ الحداثة في أوروبا وأمريكا؛ لكن الحداثة في الجنوب العالمي تظل مجهولة إلى حد كبير". 

في قلب العديد من الأجنحة الوطنية تكمن عقدة مفهوم الهوية والانتماء، ويتعامل الكثير من الفنانين مع فكرة تعددية الهويات الوطنية المتميزة ويعطي صوتا للمهمشين تاريخيا. أعطى الجناح الاسترالي المساحة للفنان "آرتشي مور" من الشعب الأول "= سكان الأرض الأصليين. المترجمة"؛ الذي سلّط فنّهُ الضوء على الفجوة بين تاريخ استراليا الحديثة البالغ نحو 254 سنة وبين سياق أكثر من 65 ألف عام لتراث عائلته من السكان الأصليين. حصل المعرض وعنوانه "أصدقاء وأقارب" على جائزة الأسد الذهبي المرموقة لأفضل مشاركة وطنية في بينالي البندقية الدولي 2024؛ وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يحصل فيها فنان أسترالي على تلك الجائزة. يقول "آرتشي مور": "لا أستعمل كلمة "تمثيل" إذ لا يمكنني تمثيل استراليا. بل لا يمكنني حتى تمثيل شعب الأبورجينيز "شعب استراليا الأصلي. المترجمة" لأننا لسنا مجموعة واحدة متجانسة. لذا أختار القول فقط أنني أُمثلُ معرضا في جناح استراليا".

مثلت الفنانة البرازيلية "غليسيريا توبينامبا" بلدها بالإضافة إلى مجتمعها من شعب " توبينامبا" الأصلي. وقدّم معرضها، الذي حمل عنوان "كابويرا: نحن الطيور التي تمشي" ثراء ثقافة توبينامبا وقصة استصلاح الأرض والنهوض وسط التهميش المستمر. 

أما الجناح الدنماركي فاستضاف الفنان "إينوتيك ستورش" وتركيبته التي تحمل عنوان" طلوع الشمس الغارقة" التي تجمع بين الصور التاريخية والعائلية الخام الحميمة من غرينلاند وبين لقطات معاصرة من الحياة اليومية.. "لـــسرد التاريخ البصري لسكان جرينلاند، ليس كما تراه أعين الزائرين، ولكن من خلال أعين سكان جرينلاند أنفسهم..". 

في الجناح الفرنسي غاص "جوليان كروزيه" بتعمق في هويته الفرنسية الكاريبية؛ حتى يمكن القول إن.. " عمله الفريد وموهبته في الأدب الشفهي تتغذى على المزج؛ بالجمع بين مجموعة متنوعة من المواد والقصص والأشكال والإيماءات. 

اختار كروزيه أيضا الافاق التي يرسم بها، وتجاوز التضاد بين الهوية والعالمية؛ مقدما مفهوم أنه في مسارات الفن، تقتفي الأصداء الشعرية والفنية دائما الاستجابات التي هي جميلة ومبهجة ومتجددة بقدر ما هي غير متوقعة..". بالمقابل إستكشفت الفنانة "فاليريا مونتي كولكي" من شيلي فكرة الأمة متعددة المواقع والارتباطات خارج الحدود. ولدت فاليري في ستوكهولم هام 1978 بعدما نُفيت اسرتها إبان الحقبة الدكتاتورية العسكرية في شيلي. واعتمدت على نظريات علم الأنثروبولوجيا حول مجتمعات الشتات وعلاقتهم بأراضي أجدادهم. 

قدمت الأجنحة الأخرى مفهوم "الغربة"؛ وهو مفهوم لا يمكن تحديده بسهولة وغالبا ما يكون شعورا مزعجا.. في أول مساهماتها بالبينالي نظّم جناح جمهورية تنزانيا المتحدة معرضا جماعيا للفنانين: "هابي روبرت"  و"نابي" و"حاجي تشيلونجا" وغيرهم. حاول المعرض تتبُّع مفهوم "الآخر" وتأملات أفكار السفر واللقاءات وإعادة تعريف الذات.  

يحاكي الفنان "ألكسندر دينيتش" من  صربيا تاريخ بناء الجناح الذي مر بين دول متعددة؛ في تكوين فني يدور حول الإقامة والإنتقال.. دينيتش نفسه نازح بشكل دائم الى ألمانيا، مما يدفع الزائر إلى التفكير في معنى الانتماء والشعور بأنك أجنبي في بلدك!

وفي جناح مقدونيا الشمالية تدعو الفنانة "سلافيكا جانسلييفا" الزائرين إلى تجربة الشعور بالغربة عبر تجهيزات الوسائط المتعددة؛ باستخدام لافتات النيون والمرايا والريش وغيرها من المواد. 


صحيفة الغارديان البريطانية، 

ربيكا آن هيوز- موقع {يورو نيوز}