دولة المؤسسات

آراء 2024/05/27
...

جواد العطار

لم تكن حادثة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي هي الاولى التي تتعرض لها ايران، فقد سبقتها في انطلاق الثورة وفي بداية حرب الثماني سنوات مع العراق، تفجير مكتب رئيس الوزراء الإيراني السابق محمد جواد باهنر في 30 اب 1981، التي راح ضحيتها الرئيس محمد علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهنر وستة أشخاص مهمين آخرين. وقبلها بشهرين كان تفجير مجلس القضاء الاعلى الاخطر، حيث راح ضحيته آية الله محمد حسين بهشتي رئيس السلطة القضائية الأسبق و 72 شخصية قيادية اثر تفجير استهدف مقر الحزب الجمهوري الاسلامي في طهران، أثناء انعقاد اجتماع للقيادة الايرانية وكان من بين القتلى وزراء الصحة، والنقل، والاتصالات، والطاقة بالاضافة إلى سبعة عشر نائبا في مجلس الشورى، والعديد من المسؤولين الحكوميين
الآخرين.
مثل هذه الحوادث ممكن ان تهز كيان أي دولة حتى لو كانت عظمى ومهما كانت قوية، لكن إيران التي كانت حديثة العهد بالثورة أولا؛ وتخوض حربا شاملة مع العراق ثانيا؛ ومحاصرة من العالم أجمع ثالثا؛. استطاعت أن تتجاوز كل هذه التحديات في بداية مشوارها، لأنها تعتمد نظام سيادة المؤسسات والقانون في إدارة الدولة والحكم، وليس الاشخاص والاحزاب، فحتى لو غاب الاشخاص فالمؤسسة باقية والدستور نافذ والقانون فوق الجميع. وهو ما يطلق عليه اسم: دولة المؤسسات وذلك حينما يكون هناك استقلال حقيقي لسلطة الدولة، ويكون هذا الاستقلال ذا صفة قانونية وتكون هذه السلطة ذات طابع قانوني ودستوري وغير شخصي.
ومع الاسف رغم أن اغلب قيادات البلد اليوم عاصروا تأسيس النظام في إيران وعايشوه في كل المحن من 1979 إلى 1990، إلا أنهم لم يعوا الدرس البليغ الذي ضربته في الأداء السياسي مما جعل العالم كله صديق وعدو يقف احتراما وحدادا على فقدان رئيسها والوفد المرافق له.
إننا في العراق بحاجة ماسة إلى سيادة المؤسسات، بعيدا عن الاحزاب والاهواء وفرض وتقاسم النفوذ، وبحاجة أيضا إلى احترام الدستور وفرض القانون على الجميع، حتى على الأحزاب التي يفترض أن يكون دورها تشريعيا داخل اروقة البرلمان حصرا؛ لا ان تتغلغل في جميع مفاصل الدولة والحكم، وفي كل صغيرة وكبيرة، والأهم من كل ذلك حصر السلاح بيد الدولة، لأن سلاح الدولة يتحصن بالقانون والدستور ويفرض الأمن والاستقرار ويعزز التنمية ويحسن من صورة العراق أمام المجتمع
 الدولي.
الاستفادة من تجارب الآخرين ليس عيبا، بل هو فرصة، وايران ليست ببعيدة عن العراق جغرافيا وسياسيا، فمتى نتعلم ونعي الدرس البليغ منها ومن غيرها... يا ساسة العراق.