كريم هاشم العبودي
نظرة بالوجه وإيماءة باليد.. موعد ولقاء، وتجدهم على المقاعد ينتشرون، وفي كل مكان وزاوية ميتة يجلسون، يتهامسون.. ورسائل الجوال على مدار الساعة يتبادلون، وسؤال يدور في الذهن ليل نهار، هل سأنجح هذه المرة أم سأفشل؟، وقديما قيل أن الإنسان حين يحب بحق يحتل عرش تفكيره جيش لا يقهر من المشاعر، فيفلت منه زمام الرؤية والقرارات، لكونه لا يغدو هو نفسه من يعطي الأوامر لحواسه ولأفعاله، إذ يتمترس «الحبيب» داخل بؤبؤ عيونه ويضع ستارا أسودا عليه يحجب مجسات النظر المحتمل لها التأثير على مستقبله العاطفي.
ففي الكثير من الجامعات العراقيَّة، تموت يوميَّاً قصص حب وتولد أخرى، إذ إن دور الجامعة يتعدى كونها مؤسسة تربويَّة تعليميَّة، ويظهر هذا جليَّاً في كل التجارب التي يخوضها طلاب وطالبات الجامعات العراقيَّة.. فكون الجامعة هي التي تمنح الدور الأكبر لكل شاب وفتاة ليتعرّف على الجنس الآخر، وهذا ما يزيد من الرغبة الدفينة داخل كل شاب وفتاة. تقول الطالبة سهاد محمود “20 عاما” مرحلة ثانية في كلية الآداب: لا أحد يستطيع أن يحدد مدى إمكانية نجاح التجارب العاطفيَّة في الجامعة مستقبلاً، فهذه عملية تبقى معقدة كونها محكومة بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئة المحيطة، ولكن في معظم الحالات تفشل القصص التي تؤسس داخل أسوار الجامعات، لأن معظمها تأتي كاستطلاع وفك رمز وعوالم الطرف الآخر، وتكون بذلك علاقات سريعة غير محسوبة النتائج، كما أن العوامل الاقتصادية تقف غالباً في المرصاد أمام إمكانية نجاح علاقة الحب المأمول منها الوصول للقفص الذهبي.
أما الطالب حسن علي الحيالي “22 عاما”، فيتطرّق للوضع العراقي خاصة، مشيراً الى أن العامل السياسي، يعقد المسألة، فعدم وجود استقرار سياسي ينعكس على الحياة بمجملها، فالبطالة في أعلى مستوياتها، وفرص العمل للطلاب بعد التخرّج مسألة ليست ذات سهولة، ولكن ورغم فشل نسبة كبيرة من التجارب العاطفيَّة داخل الجامعات العراقيَّة، إلا أن هذا لا يجعل هذه التجارب تجف وتتوقف، بل إنها تشكل حافزاً للكثيرين لإقامة علاقات جديدة، لكثرت الفرص المتاحة أمامهم.
وتتحدث الطالبة سما محمود عن الأضرار التي قد تلحق بالتحصيل العلمي نتيجة العلاقات العاطفيَّة في الجامعة، وتقول إنّ “الحب في الجامعة يشكل خطراً على التحصيل العلمي، وهذه قضية يصعب الفكاك منها، فالحب يجعل الطالب مشغولاً بقضايا أكبر منه، وهذا الأمر يوثر في مستقبل الطالب الدراسي ويجعل من جدول محاضراته بوصلة لتجديد اللقاء ورؤية من يحب فقط، وهنا يقع الطالب في مزاجيات الحب ويحكم على دراسته من خلال ما يمر به من مواقف سعيدة كانت أم حزينة، وفي ظل هذه التكنولوجيا وعصر الجوالات والانترنت تزداد فرص الحديث وتبادل الرسائل بين كل عاشق ومعشوقة وهنا تكون الفرصة مؤاتية لجميع الاحتمالات بسلبياتها وإيجابياتها.
أما طالب الدراسات العليا سلوان عبد الرزاق، فيقول إنّ “الجامعة مؤسسة تربويّة تعليميّة يقع على عاتقها المسؤولية الكبرى في توعية الطلاب وفتح أفق جديد في تفكيرهم وجعلهم قادرين التحكّم بعاطفتهم بشكل يجعل من علاقاتهم ببعضهم تأخذ طابعاً آخر وشكلا جديدا يكون الحب من خلاله حافزا لتقدمهم في مجال دراستهم ونجاح حياتهم المهنية، ولكن للأسف فإن معظم الجامعات تهمل هذا الجانب وتركز على الدراسة الاكاديمية والتخصصات بتنوعها وتتجاهل حقيقة أن الإنسان مجموعة من المشاعر وليس حاسبا الكترونيا نغذيه بالمعلومات.
وعن تجارب الفتيات العاطفية في الجامعة تقول إحداهن إنها التحقت بكلية الطب، ولم يخطر ببالي أن أتعرّف على شاب وأحبه، ولكن الصدفة هي التي صنعت الحب فبدأت العلاقة داخل قاعة المحاضرات فكنا نتناقش في العلم فوجدت توافقا فكريا واجتماعيا بيني وبينه، واعتدنا أن نرى بعضنا في الجامعة وتبادلنا العواطف فأصبحنا نتحدث هاتفياً لساعات طويلة ولكن هذا الحب الكبير لم يتوّج بالزواج فعندما حصلنا على شهادة البكالوريوس سافر إلى الخارج ليكوّن مستقبله وتقدم لخطبتي طبيب جراح من أسرة غنية محترمة، ولأن أسرتي محافظة جداً، اضطررت للموافقة رغم حبي للآخر هكذا حالت الظروف بيني وبينه.
ويقول أحد الطلبة: لقد أحببت زميلتي بالجامعة بكل صدق تحديت من أجلها كل الناس فلأنها من أسرة فقيرة، وأنا من أسرة غنية ووحيد لدى عائلتي، رفضت أسرتي الارتباط بها علماً بأن والدتي كانت تريد تزويجي من ابنة خالتي ذات الأصل والأسرة الغنية، ولكنني قررت الاعتماد على نفسي والبعد عن أسرتي وتزوّجت حب عمري، ونعيش الآن حياة سعيدة ومعنا الآن طفلان هما كل
حياتنا.
ويرى الباحث الاجتماعي حسام البياتي أن فشل الكثير من العلاقات العاطفية الناشئة داخل أسوار الجامعة، يعود الى التعاطي غير المدرك مع مجمل هذه العلاقات التي تكون تعويضاً عن الحاجة النفسيّة والاجتماعيّة للإنسان، وخصوصاً عند الإناث، اللواتي يبحثن عن اهتمام يفتقدنه، أو حنان هو أبعد ما يكون عنهن وهذا يكون دائما في المجتمعات المغلقة كمجتمعنا العراقي تحديداً، ويشدد على أن هذه العلاقات هي كباقي العلاقات الاجتماعية يمكن أن يكتب لها النجاح أو الفشل، يحكمها سلوك الطرفين، ومعظم العلاقات في الجامعة لا ينجح منها سوى 5 بالمئة فقط لعدم تبلور وعي كامل لدى معظم الطلاب.