أنور الرحبي.. مقاماتٌ ملوّنة في الحب والحرب

ثقافة 2024/05/27
...

 أحمد عساف

يعتبر أنور الرحبي، واحدا من أهم الفنانين التشكيليين السوريين المعاصرين وعلامة فارقة في المشهد العربي. حفر اسمه عبر لوحات لا تشبه إلا إبداعاته المنتمية لاحساسه الفني المتجذر بعمق موهبته.
الرحبي المولود عام 1957، في دير الزور حصد جائزة (شنكار) العالمية لرسوم الأطفال، في الهند، في السادسة من عمره ثم توالت الجوائز العالمية والعربية.
حمل آخر معارضه عنوان "مقامات الحب والحرب" كما يقول إن "الحرب عادة سيئة للذين لا يعرفون تفاصيل الوجع، والفنان يعيش تلك المرارات ويحاول تحويل أشكالها إلى حكاية درامية تشكيلية، فيها الكثير من العقد والحبكات، إلا أنه وسط تلك الحكايات التي تظهر في الحروب من خلال ما يحكى عنها من نزوات دنيئة.. لابد لك من أن تغمس ريشتك بألوان الطهارة لتبعد عنك وعن المجتمع ظلال الحرب القاتمة، وتحاول أن تلتقط ما تيسر لك من فرح ومن حب وتجسده لوحات معبرة، كما أن الحروب أظهرت أفعالا بشرية تعيسة للآخرين، وتم اسقاطها أيضا بلوحات تبقى للتاريخ".
تتميز تجربة الرحبي بتلك الميزات التي تنجو بذاتها من الوقوع في فخ تقليد الآخر أو التأثير بتجارب الآخرين، أو في مصيدة التقليد وطرح الساذج والسهل والسطحي، إذ تتخذ لذاتها ذاك المنحى والمنهج الخاص بها، ليقال عنها إنها المدرسة الرحبية، من حيث الألوان والشخصيات وموضوعات العمل.
ويضيف أن "المرأة هي بطل في غالبية أعمالي؛ لأن الشكل الأنثوي هو ناعم، وبالتالي يحقق هذا الملمس الكثير من الانعتاق تجاهه، ولأنه كما يقال عنه، الجسد الصامت المتحرك في الحياة، بمعنى أنها الطبيعة الجسدية التي دائما ننعم بها، وكما قال الكاتب توني روبنز: إن الأجسام الإنسانية النسائية هي أكثر الأجسام اكتمالا في الفن. وفي أعمالي ثمة كثير من الألوان التي فرشتها على مساحة القماش تظهر دور المرأة والتعاطف معها بانفعالية خاصة وبحساسية فيها الكثير من الرومانسية، وهي جاذبة للعين ومؤثرة، وفيها الكثير من الأمور الجمالية في التابو والعمل، والأنثى موحية في الأعمال الإبداعية كثيرًا؛ لأنها تشكل انعكاسا غير باهت وغير مغلق، أنها قيمة جمالية مكونة من إيحاءات مختلفة بالشكل والمضمون، وبالتالي حركة جياشة أنثوية لبقية الأشياء في الطبيعة.
ثمة تجربة له ثرة وخاصة تتعلق بتوظيفه للمقامات، عبر تجربة خاصة به توقف عندها النقاد مطولاً. لقد بنى على هذه المقامات استعارات صوفية، وهي مقامات كتبها باللون والفكرة والموضوع البصري الجمالي.
ويتابع: لقد رسمت هذه المقامات لسببين السبب الأول ان هذه المقامات تمثل الحالة عند المبدع بفتح عدسة عينه أكثر، وبالتالي ينظر من بؤر وزوايا غير مسلط الضوء عليها استعارات صوفية، وأكتبها لونا وموضوعًا وبصريًا، وأجعلها في أعين المشاهدين وحدة عضوية فيها الحركات المرنة، وفيها البنائية الشغوفة بالأماكن المختلفة، وهي محسوبة ومحسوسة على الخامة من خلال اللون والخط الأسود المتباين، وهي استجابة ناعمة للرغبة الواقعية للأشياء بكل صياغاتها وهي تدعم الثقافة والعمل الفني وإغنائه، إضافة إلى حركات الوجه والجسد والمهارات المتعددة في المشهد الحياتي فكان هناك مقامة الوجه والجسد والحمامة والباب والنافذة ومقامات أخرى أعتز بها كتفرد في هذا اللون التشكيلي.
هي مثل مقام الجسد، ومقام الروح، ومقام الحمامة، ومقام المزار الذي عملت عليه خمس أعوام لأن  مقام المزار، من أعمالي الهامة التي شاركت بها وحصلت فيها على الكثير من الميداليات في الملتقيات العربية والدولية، لأنها تتعلق بالمحلية أو المكان الذي يحدد الزمان بشكل أو بأخر، وهذه الفكرة التي تتعلق بالصوفية تتعلق بالجماعة، فهي فلسفة غير إرادية عند المنتمي إلى هذه الأعمال، وبالتالي المقام عندي هو مقام تجسيد للحالة الزمنية والمكانية.
ثمة تضاد نحس به هنا وهناك في لوحات الرحبي أنور، من حيث هدوء اللون وشفافيته والهارموني الواضح فيه، وانسيابية تدرجاته على سطح اللوحة. هذه الألوان الهادئة ربما يكون سببها طبيعة الشام ومناخها الجميل الذي عايشه فنانا منذ مطلع شبابه وانتسابه لجامعة دمشق ليومنا هذا حيث مازال يقيم في الشام.
أما عن الألوان الحارة في لوحاته فيقول: أنا ابن مدينة دير الزور المدينة التي تعج بالحرارة في الوجوه السمراء، والتربة الحمراء والألوان الحارة، لذا تشكلت لديّ تلك الألوان، وهي قناعة متكاملة. وأعتقد أن تلك الألوان مُشبعة بالاحتفاليات الخاصة والعامة للحركة في العمل؛ واللون في أعمالي من خلال التكوين ما هو إلا خليط من الأزرق والأحمر والأصفر إضافة إلى الأسود هو استحواذ على عناصر الحياة وإثراء بعض نسوغها من خلال اللون والضوء؛ لأن الطبيعة التي عشت فيها ولاسيما في مدينتي، فهي طبيعة فراتية.
أقام أكثر من 44 معرضا دوليا، وشارك بأكثر من عشرين ملتقى آخر، كما ودرس في كلية الآداب جامعة دمشق وتخرج منها.  وهو أكثر فنان سوري حاصل على جوائز عالمية وعربية منها، جائزة  فارنا في بلغاريا، وجائزة شرق البحر المتوسط، وجائزة تجمع فناني مسقط، وجائزة الشارقة، والجائزة الكبرى بينالي مسقط، وجائزة المفتاح بتونس عام 1986، وغيرها فضلا عن مشاركته في مسابقة  اليونسكو الدولية.