أحمد عساف
أسدل الستار على نهاية العروض المسرحية المشاركة في مهرجان المسرح الجامعي في دورته الثامنة والعشرين. ونال عرض "المبارزة" بالجائزة الأولى للمهرجان، تأليف رضوان الشبلي وإخراج الفنان رائد مشرف.
وافتتح المهرجان بهذا العرض الذي استمر لأسبوع بمشاركة 12 عملا مسرحيا لعدد من المعاهد والجامعات في المحافظات السورية، بحضور جماهيري لافت تقدمه الفنان القدير دريد لحام، ونخبة من نجوم المسرح السوري.
تناولت المسرحية قصة صراع بين شخصية وليم شكسبير، وكريستوفر مارلو، ومن له الحق في أن يكون كاتب انكلترا الأول في عهد الملكة اليزابيت الأولى عام 1585. وعلى الرغم من مرور كل هذه القرون الطويلة على هذا الحدث إلا أن نجاح المؤلف والمخرج، استطاعا اسقاطه على حدث مسرحي وإنساني وإيداعي، وكأنه اليوم كزمن حياتي يحدث في عاصمة عربية أو غربية.
نكتشف في هذا العرض الآسر العديد من القضايا التي قد تواجه الأدباء والمبدعين من منافسات وصراعات، وخيانات الأصدقاء، والسرقات الأدبية، لتصل لدرجة قتل الآخر حتى الموت.
النص التقط مفاصل هامة وحقيقية من حياة كريستوفر مارلو، ووليم شكسبير، ووجد طريق نجاحه على يد الفنان المخرج رائد مشرف، الذي نال أكثر من جائزة متقدمة في المسرح السوري. وهنا كرّس استمرار تألقه المسرحي وبثبات وتقدم.
مارلو الذي يكبر شكسبير ببضعة أشهر، وهو خريج جامعة كامبريدج، شاعر وكاتب صدر له العديد من المسرحيات، وعرف أنه ملحد وكحولي ومشاكس ومبارز قوي. مات مقتولاً بسن مبكرة وبظروف غامضة. وظهر تأثر شكسبير بمارلو في أشهر أعماله المسرحية بما في ذلك "أنطونيو وكليوباترا"، و"تاجر البندقية"، و"ريتشارد الثاني"، و"ماكبث". هذا ما يعترف به (عمار السيد) شكسبير.
مسرحية المبارزة نقلت لنا الحدث المسرحي وكأنه يحدث الآن، منذ بداية العرض، وبالتدرج عبر الهارموني المسرحي، تنجح سينوغرافيا العرض لتدخلنا مرغمين وراضين في أن نعيش احداث الفعل المسرحي وعبر شخصياته المتألقة، حيث يصرخ شكسبير وبأعلى صوته: "أنا كاتب انكلترا الأول.. أنا هاملت. أنا عطيل أنا تاجر البندقية، أنا وليم شكسبير". ويعود ويعترف لنا "وليم شكسبير -عمار السيد" بغيرته المجنونة من إبداعات "مارلو -زين العابدين" الذي يعرف ذلك تماماً ويعيش الحالة الحزينة التي ستدفعه لكثير من الإبداع ليتجاوز شكسبير وهو ما كان يعترف به لصديقه العزيز (أنطونيو- حاتم أتمت) الذي برع في تقديم هذه الشخصية، ويتعاون مع شكسبير في الخفاء بعيداً عن صديقه مارلو، الذي يعيش ارهاصات وكوابيس ويغرق في الكحول ومن معاناته مع حبيبته الشابة "لين شلغين"، التي تعشقه حتى الجنون. والمشكلة تكمن في رفض أمها القاطع لعدم زواجها من مارلو، جسدت شخصية الأم وبكثير من النجاح وتحقيق المعادل المسرحي لواقع الدور وتداعيته عبر إيقاع الصوت، والاشتغال على حركات الجسد المعبرة عن قسوة الشخصية. الفنانة نجاة محمد، جسدت وبنجاح دور الأم التي تحب المال والسلطة والشهرة، وتشبع مارلو ركلا بالأرجل والأيدي وتهدده بالقتل إن اقترب من ابنتها ثانية، وتقول له: "اذهب أنت وكتاباتك، وشهادتك الجامعية إلى الجحيم أيها المسرحجي". فيما بعد تجبر ابنتها على الزواج من شكسبير.
ونجح الفنان زين العابدين في تقديم دور كريستوفر مارلو، الذي كان جدليا في ما يتعلق بحياته الشخصية، وفي مقتله المبكر والغامض في الواقع، وبين مقتله العلني على خشبة المسرح بمشهد الختام في عرض المبارزة. لقد سرق منه صديقه الوحيد أنطونيو النسخة الأخيرة من مسرحيته الأخيرة وأعطاها لشكسبير مقابل المال، وأم حبيبته قدمت حبيبته زوجة لشكسبير. والملكة اليزابيت الأولى الفنانة سيدرا جباخانجي التي وقفت إلى جانب شكسبير، ووقعت في غرامه وقررت أن تمثل معه دور جولييت في مسرحيته (روميو وجولييت). قال لها: "كيف ستمثلين وأنت ملكة انكلترا، قالت له: لا عليك سأمثل دور جولييت وأنت ستمثل دور روميو".
كل هذه الأحداث تجمعت لمصلحة شكسبير ضد مارلو. وكان المخطط لكثير منها مدير أعماله "هنري - بشر أكريم" الذي قدم دورا لافتا وناجحا في هذه المسرحية.
قد أجمع الجمهور والنقاد والإعلام على براعته الأدبية.
قبل الختام وفي مشهد مراسيم زواج شكسبير من حبيبة مارلو وبوجود الخائن أنطونيو صديق مارلو، وهنري. يقتحم مارلو الحدث مباغتهم جميعا ويقف وجها لوجه أما شكسبير وبعد المبارزة بالسيوف، ينتصر شكسبير ويقترب منه قائلا: عزيزي مارلو هي الحياة هكذا فوز وخسارة، ألم يخنك صديقك أنطونيو، الم تقبل حبيبتك بالزواج مني.
ينهار مارلو فيرديه شكسبير مضرجا بدمه، وبينما هو يحتضر تقترب منه حبيبته وتضمه إلى صدرها وترجوه ألا يموت وتقول له "سأظل أحبك إلى الأبد".
يقول لها: أنا مارلو إن توقفت عن الكتابة ستقف الأرض عن الدوران.. إن توقفت عن الكتابة ستغرب الشمس من الشرق، وتشرق من الغرب. ثم يموت مقتولا على يد شكسبير. ليسدل الستار على أجمل عرض مسرحي في هذا المهرجان.