جون كونستابل.. مناظر طبيعيّة نابضة بالحياة

ثقافة 2024/06/02
...

 ديبورا نيكولز
 ترجمة: كريمة عبد النبي

يعد الرسام البريطاني جون كونستابل (1776 - 1837) واحدا من كبار رسامي المناظر الطبيعية وواحدا من أتباع الحركة الطبيعية.
اشتهر هذا الفنان برسم المناظر الطبيعية المحيطة بمنزله في بريطانيا كونه عاش في الريف طوال حياته حيث أثرت رسوماته التي أنجزها في الهواء الطلق في الانطباعيين.
ومن أشهر اللوحات التي أبدع فيها كونستابل، عضو الأكاديمية للفنون وواحدا من أهم فناني الحركة الرومانتيكية في بلاده، لوحة "عربة القش" التي أنجزها في عام 1821 وهي تصور منظرا طبيعيا في مسقط رأسه في مقاطعة سافولك.
كان هذا الفنان يختار مواضيع لوحاته بعد أن يتجول في أنحاء عديدة من الريف من أجل رصد الجمال الكامن في الطبيعة لينتقل بعدها لرسم لوحات مناظر طبيعية بطريقة واقعية نابضة بالحياة.
وقد وصف نقاد ومؤرخو الفن لوحة "عربة القش" بأنها واحدة من أيقونات الفن البريطاني.
تعكس اللوحة التي تظهر فيها عربة تجرها خيول وهي تشق طريقها خلال النهر؛ براعة هذا الرسام في توجيه مشاهدها وكأنها أحداث واقعية. وتظهر اللوحة، التي استخدم فيها كونستابل ألوان الزيت على القماش، قدرة الرسام وإبداعه في توزيع الألوان بدرجاتها المختلفة وبراعته في التحكم بدرجات الضوء وتصوير التفاصيل الصغيرة.
ويشير نقاد ومؤرخو الفن إلى أن كونستابل تمكن من جعل هذه اللوحة شهيرة من خلال استخدام العديد من المؤثرات منها طريقة تصوير المياه والندى الذي يظهر على العشب وقطرات الرطوبة على أوراق الأشجار.
وعلى الرغم من أن هذه اللوحة لم تلق اهتماما كبيرا عندما عرضت لأول مرة في بريطانيا، إلا أنها تحظى حاليا باهتمام النقاد والمؤرخين.  واللوحة معروضة حاليا في متحف بريستول إلى جانب عدد من أعمال المناظر الطبيعية بريشة عدد من كبار الرسامين قبل نقلها إلى المعرض الذي سيقام على غاليري لندن.
ولا شك إن فكرة رسم هذه اللوحة تبادرت إلى ذهن كونستابل، الذي يميل في معظم أعماله إلى الرومانتيكية أكثر من الواقعية، بسبب قربه من موقع موضوعها، حيث نشأ على بعد ميل واحد فقط من الكوخ الذي يظهر إلى يسار اللوحة.
وقالت مديرة قسم البحوث في غاليري لندن كريستين رايدنغ: بغض النظر عن كون اللوحة تصورمنظرا ريفيا طبيعيا، إلا أنها تعكس أيضا مكانة كونستابل في المجتمع كونه إبنا لرجل ثري يعمل في تجارة الذرة ويمتلك أراضي واسعة وطاحونة في مدينة ديدهام.
وإذا نظرنا إلى اللوحة من الناحية الاجتماعية نجد أنها تصور العمال الزراعيين وهم يعملون في ظروف سيئة، حيث لم يكن عملهم في هذا المجال يوفر لهم لقمة العيش آنذاك، وهذا ما عكسه كونستابل في عمله هذا.
وتعود الحالة السيئة لعمال الزراعة إلى القوانين التي كانت سائدة خلال الفترة بين (1604 - 1914) والتي مكنت عددا قليلا من الأثرياء من السيطرة على معظم الأراضي الزراعية. وقد أوضحت رايدنغ أن كونستابل رسم لوحاته التي تصور المناظر الطبيعية في الأراضي التي كان والده وأخوه يمتلكانها.
رسم كونستابل هذه اللوحة من خلال مجموعة من التخطيطات جمعها بعد عقدين من العمل عليها حيث أكملها في الاستوديو أو الغاليري الخاص به في لندن.
وقد حرص الرسام على تصوير الحياة اليومية للمزارعين بتفاصيل دقيقة من خلال رسم مجموعة من المزارعين من حاصدي القش، بالإضافة إلى تصوير كلب وهو يشاهد منظر العربة من موقع منخفض وتعكس كل هذه التفاصيل
الدقيقة مدى واقعية أحداث اللوحة.
وقد أشارت أمينة المعرض جوليان كارفر إلى أن كونستابل كان معروفا بمحاولاته أن يكون صادقا في رسم لوحات المناظر الطبيعية وأظهر التزاما كبيرا وواضحا من خلال التفاصيل التي يصورها عبر معظم لوحاته.
ويشير التقرير إلى أن اللوحة لم تلق استحسانا حينما عرضت لأول مرة في الأكاديمية الملكية عام 1821 وربما يكمن السبب في كونها طبيعية وعادية جدا بالنسبة للذوق السائد خلال تلك الفترة. لكن بعد ثلاث سنوات، نقل الرسام اللوحة إلى صالون باريس، حيث حظيت باعجاب وتقدير كبيرين حتى أنه حاز بواسطتها على ميدالية ذهبية من قبل ملك فرنسا آنذاك.
وأوضحت رايدنغ إلى أن من بين كل لوحات كونستابل المعروضة حاليا في معرض بريستول ولندن تظل لوحة "عربة القش" الأكثر شهرة كونها تشكل "دراسة حياة الطبيعة من خلال ألوان زيتية".
ويستمر معرض بريستول بعرض هذه اللوحة لغاية الأول من شهر أيلول من هذا العام.

عن موقع (بي.بي.سي)