صراع البشر والحيوان في {كوكب القردة}

ثقافة 2024/06/03
...

  باسم سليمان

مات سيزار، قرد المختبَر الذي أصبح ذكيًا بسبب حقنه بدواء فيروسي لمعالجة داء ألزهايمر!  مات سيزار الذي قاد ثورة القردة لتتحرّر من سيطرة الإنسان. مات سيزار الذي قال: (القرد لا يقتل القرد). أصاب الدواء الفيروسي البشر بالخرس والغباء ومنح القردة الذكاء، رغم ابتكاره ليكون شافيًا للإنسان من داء الخرف في عالم أصبح أكثر سكانه عجائز، مما أدى إلى تدمير الحضارة البشرية.

لم ينج من هذا الوباء إلّا قلّة من البشر، هرب بعضهم إلى حصون تحت الأرض لكيلا يصيبهم الفيروس، أمّا البقية الغبية غير القادرة على الكلام، فأصبحت قطعانًا كأية حيوانات أخرى تجوب الأرض التي استردّت عافيتها.  

صدر الجزء الرابع من سلسلة (كوكب القردة) التي بدأت عام 2011 بفيلم ( Rise of the Planet of the Apes)  وترجع هذه السلسلة إلى مجموعة من الأفلام بدأت عام 1968 حيث كان يظنّ بطل السلسلة القديمة، بأنّه بسبب عاصفة كهرومغناطيسية في الفضاء قُذف إلى كوكب تحكمه القردة، ليكتشف بأنّه على الأرض بعدما رأى رأس تمثال الحرية ملقى على أحد الشواطئ. لقد غيّرت السلسلة الجديدة الحبكة لاستكشاف آفاق أخرى للقصة، لكنّ الجوهر الدارويني ما زال واضحًا، فما دام الإنسان والقرد قد انبثقا من جد مشترك، فلماذا العداء!                                                                                                    يستكمل فيلم "مملكة القردة"  “Kingdom of the Planet of   the( Ape 2024 من إخراج ويس بال) الأجزاء الثلاثة الماضية التي تكلّمت عن ثورة سيزار وحروبه مع البشر ومحاولته أن يجعل القردة وما تبقى من البشر يعيشون في سلام(.                                                                                                  يبدأ الفيلم الجديد بمشهد لجنازة سيزار، لكنّ القردة بعد زمن طويل تنسى تعاليم سيزار أو تتناسى! حيث تظهر تجمعات قبلية للقرود، منها قبيلة النسور الذي ينتسب إليها القرد الشاب (نوا)، الذي يريد أن يحتضن بيضة (النسر الأمريكي) في حزام على صدره، فإن فقست اعتبره الفرخ الصغير أمه، لكن أنسية تدعى نوفا (فريا آلان) تتسبب بكسرها. وفي مقلب آخر أصبح القرد بروكسيموس إمبراطورًا على قبائل القرود، بعدما قرأ عليه أحد البشر التاريخ الروماني، حيث كان يعتقد هذا البشري بأنّ زمن الإنسان قد انتهى وحل زمن القردة، فلماذا لا يرثون حضارة الإنسان. يحاول بروكسيموس أن يقتحم حصنًا تحت الأرض أقامه البشر، لكي يحوز على معرفة وصناعة وأسلحة الإنسان، فيستعبد القرود لتكتمل خطته؛ ها هو القرد يعيد سيرة الإنسان العنفية من جديد!. يهاجم جنود القردة قبيلة نوا ويقتلونهم ويسوقون البقية إلى مستعمرة بروكسيموس، فيلحق بهم نوا، لكنّه في الطريق يتعرّف على القرد (راكا) من فصيلة (أورانجوتان/ إنسان الغاب – الذي كان مشتبهًا به في جريمة قتل في أحد قصص رائد الخيال العلمي إدغار ألان بو في القرن التاسع عشر!). لكن راكا ليس مجرمًا بل حكيمًا يتبع تعاليم سيزار ويعلّق قلادة على صدره لها شكل النافذة، التي كان سيزار ينظر من خلالها إلى الخارج عندما كان صغيرًا في بيت الطبيب الذي كان يحقنه بالدواء الذي يعالج ألزهايمر. يخبر راكا نوا عن سيزار وحكمته، ليكتشف نوا بأنّ العجائز في قبيلته قد خبّؤوا الحقيقة عنه. تنضم إليهما في الطريق الفتاة التي تسببت بكسر البيضة، بعد تعارف قلق وحذر، يتابعون معًا الطريق إلى مستعمرة بروكسيموس من أجل أن ينقذ نوا أبويه وعشيرته، فيتعرّضون في الطريق لهجوم من جنود بروكسيموس، فيضحّي راكا بحياته لإنقاذ الفتاة البشرية وفق تعليمات سيزار، لكن يقبض على نوا ونوفا ويؤخذان إلى المستعمرة.  لقد كانت العلاقة بين نوا ونوفا متوترة جدًا، وخاصة بعد أن عرف بقدرتها على الكلام وخطّتها لدخول الحصن وسرقة شريحة الكترونية ستعود بها إلى أحد مخابئ البشر، ليصبحوا قادرين على الاتصال مع بقية المجموعات الصغيرة المتناثرة في الأرض. لم يكن نوا يثق بنوفا، لكن حتى يستطيع إنقاذ قبيلته كان لا بدّ له من هكذا تحالف (عدو عدوي صديقي). 

يبدو الفيلم تأسيسًا لسلسة جديدة، فالخاتمة التي جمعت كل من نوا ونوفا بعد القضاء على بروكسيموس تشي بذلك، وخاصة أنّ نوفا قد أخفت مسدسًا خلف ظهرها يومئ بأنّ الجمر تحت الرماد، فنوفا تعتبر البشر أحقّ من القرود بالتواجد على الأرض، فهي لا تعترف إلّا بالزمن الذي كان فيه القردة مجرد حيوانات غير عاقلة، وهي مناسبة للخيال البشري كأمثولات، أبدعها البشر من أجل الاعتبار والتعلّم منها، كأن تكون صديقة لطرزان، أو ضخمة الحجم تتسلّق بناية (إمباير ستيت) ككينغ كونغ كرمى لعيون أنثى من البشر. 

الغريب أنّ الأمثولة الآن حقيقية، وأمام ناظري نوفا، فهل تتعلم؟ وهل سيكون نوا الذي يعني (نوح) قادرًا على قيادة قبيلة النسور إلى بر الأمان، وعلى إحياء تراث سيزار؟ لكن راكا أخبرهما متندرًا، بأنّ القردة تمتاز عن البشر، وذلك لأنّها تستخدم أيديها وأقدامها سواء بسواء، والبشر لا يملكون هذه الميزة.