لم تزل الإشكالية التي رافقت انتخابات اتحاد الأدباء السابقة مستمرة حتى الآن، فعلى الرغم من تشكيل الهيئة الادارية واختيار رئيس للاتحاد بعد شهور من الصراع، غير أن هذه الهيئة لم تتوافق حتى بعد مرور ثلاث سنوات على عملها (معاً)، فالخلافات كانت ظاهرة، والمناوشات لم تنتهِ حتى بعد قرب انتخابات الهيئة الجديد بعد أسابيع قليلة.
التنافس الذي أفرزته الانتخابات السابقة بدأ من جديد بين كتلتين واضحتي المعالم، كتلة رئيس الاتحاد الحالي، وكتلة جديدة يقودها الشاعر علي الإمارة. هذا الانقسام جعل الكثير من الأدباء يصرّحوا بأنهم ربما لن يشاركوا في الانتخابات المقبلة إذا بقي الأمر على ما هو عليه، وبعضهم الآخر انقسم بين مؤيد لهذه الكتلة أو تلك، غير الواضح أن هذا تنافستسبب وسيتسبب في ضعف المؤسسة الثقافية الفعلية في البصرة ثقافياً، وهو ما يراه أغلب أدباء المدينة منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم.
غير أن التساؤل المهم في خضمّ هذا التنافس ، ما الذي يريده ويتمناه أدباء المدينة من هذه المؤسسة:
الدكتور علاء هاشم يكشف أن ما يهمه أن ينتخب أعضاء الاتحاد المرشحَ على أساس موهبته الأدبية أولاً، وكفاءته في العمل ثانياً، وأخيراً يجب أن يكون متزناً وطيباً وذا خلق رفيع لكي لا يميل فيما بعد إلى الفئوية والتكتلات والانحياز. كما يريد هاشم من الدورة المقبلة أن تعمل على تقوية الاتحاد بالحصول على موارد له أو شخصيات ومؤسسات تقوم بتمويله. فإذا توفرت كل هذه الشروط سينجح الاتحاد، و”شخصياً لا أريد لنفسي شيئاً من الاتحاد ويكفيني نجاحه ودعمه للأدباء ونجاحه في الفعاليات الأدبية ومساهمته في النشاطات المجتمعية”.
ويبين الشاعر علي نوير أن أقصى ما يتمناه من أصدقائه الذين سيفوزون أن يعملوا معاً كفريق واحد من أجل مصلحة إخوتهم الأدباء، وأن يضعوا خطة عمل للسنوات الثلاث القادمة، بعد أن يضعوا نصب أعينهم الاستحقاقات المهمة، من أنشطة ثقافية أسبوعية وشهرية وسنوية، وأن يتم اختيار هيئة تحرير جديدة لمجلة الاتحاد (فنارات)، مبتعدين قدر الإمكان عن حصر إدارتها وتحريرها بأعضاء الهيئة الإدارية، وأن يتم التحضير لمهرجان المربد القادم منذ الآن بإشراف لجنة دائمة يتم اختيار أعضائها من بين الهيئة العامة ممن نتوسّم فيهم الكفاءة والفاعلية الثقافية. كما يرى أنّ الوقت قد حان لفتح ملف العقارات التابعة لاتحادنا والمنتشرة في البصرة والعشار والزبير، التي يربو عددها على الخمسة والعشرين عقاراً مستولى عليها من قبل جهات أخرى، عودتها ستجعل الاتحاد مستغنياً عن طلب العون من جهات أخرى رسمية وغير رسمية.
في حين تشير الشاعرة منتهى عمران إلى إن اتحاد البصرة له خصوصية متأتية من خصوصية هذه المدينة التي هي منبع للأدب والثقافة وخزانتها في نفس الوقت، كما أن الأسماء المميزة والجادة التي لها مكانتهاتضاعف حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الاتحاد، فضلاً عن المؤتمرات والمهرجانات المحلية والدولية، كل هذا يجعل من الأدباء في حالة تطلّع مستمر حول ماسينجزه الاتحاد بكل دورة انتخابية جديدة ويتابع ماتحقق على أرض الواقع من عهود ووعود ويؤشّر مكامن القوة والضعف والفرص المتاحة للنهوض بواقع الأدب والثقافة والقائمين عليه من أدباء وكتاب، وتنوّع التوجهات الفكرية والرؤية المستقبلية يشكّل محرّكاً مهماً للخروج من الجمود ويطالب بالتغيير والتجديد.
لذا على الجولة الانتخابية القادمة أن تكون بمستوى طموح هذا التنوّع والاختلاف واستيعابه ولم شمل كل الأدباء والكتاب في البصرة تحت خيمة الهيئة الجديدة والخروج من مأزق الفئوية واستثمار كل الأفكار والطروحات في صالح المدينة التي يجب أن يكون صوتها هو الأقوى في المحصلة
النهائية.
وأهم ما يرجوه القاص باسم القطراني من انتخابات اتحاد الأدباء القادمة أن تتمخض عن عناصر كفوءة ونزيهة ومشهود لها في خدمة المشهد الثقافي الذي نريد له أن يكون فاعلاً ومتميزاً دائماً. كذلك لابد من وضع الخلافات التي حاولت تعطيل مسيرة الاتحاد جانباً، فالمدينة أكبر من أيّ خلاف وتغليب لغة الحوار والتفاهم.. مضيفاً: نحن هنا بإزاء الممارسة الانتخابية الأهم، فلابد أن تكون توجهاتنا وآمالنا وتطلعاتنا بمستوى دور هذه المؤسسة الثقافية العريقة التي تمتد جذورها موغلة في تأريخ مشرّف وانجازات كبرى، نسعى إلى لم الشمل وأن تتوحد كلمة الأدباء والكتاب وهم يختارون ممثليهم الأكفاء بطريقة أبعد ما تكون عن الفئوية والمحسوبية.
من جانبه، لا يعتقد الناقد خالد خضير الصالحي أن مطالب الأدباء والكتابتختلف من، حيث البساطة، عن مطالب السواد الأعظم من العراقيين البسطاء الذين يظهرون في الفضائيات، وإذا ارتقى أحدهم فسيطالب بمرتب بسيط من أجل أن يضمن لقمة العيش، ووفقاً لهذه الرؤية المتقشفة فلا أرى أن الأدباء سيطالبون بأكثر من نشر مؤلفاتهم، ورغبة البعض بالمشاركة في المهرجانات خارج البصرة، وهي كلها مطالب هزيلة يفرض مقدارها الوضع الثقافي المتردي. فلا هو” الاتحاد” نقابة لمهنة من أجل أن تطالب بأية مكاسب لأعضائها كما يحصل في نقابة المحامين مثلاً، ولا هو منظمة مخيفة للسلطات كنقابة الصحفيين، بل هي منظمة مجتمع مدني مسكونة بالعجز عن تقديم أي شيء لأعضائها من المطالب المادية التي تشغل بال كثير منهم، فلا تقدّم تقاعداً باعتبار الادب مهنة، ولا ضماناً صحياً للمسنين منهم ولا قطع أراضٍ، لتبقى كل مطالب الأدباء تدور في فلك النشر والفعاليات المهرجانية الثقافية ليس إلا، وأن عجز اتحاد الأدباء ليس أمراً غريباً فهو ليس إلا جزءاً من عجز كامن في جوهر بنية الدولة العراقية بعد 2003 وموقفها الخامل والسلبي من
الثقافة.
فيما تطالب الشاعرة ابتهال المسعودي الهيئة الجديدة بدعم الشباب والطاقات الجيدة من خلال احتوائها رسمياً عن طريق النشر والمشاركات الخارجية قبل الداخلية لمن يكون بمستوى رئيس اتحاد الأدباء أو عضواً في الهيئة الإدارية، ولا يكون مثل كرسي لا حول له أو مهمشاً.. لهذا يجب تبنّى فكرة أن يكون هناك مهرجان واحد سنوي يضاف له معرض كتاب رسمي وعالمي يكون ذا قيمة فعلية باستضافة المبدعين وزج الطاقات الشابة التي نراهن عليها من خلال الجلسات النقدية وليس المنصة، يكفي تشتيت للموارد واللعب بمقدرات الشارع الثقافي، كما أن علينا إيجاد جهة إعلامية تجيد العمل كمؤسسة تدعم الحراك الثقافي بشتى أشكاله، وإلا فكل هذا الجهد لا قيمة له لأنه محلي وغير مكتمل حاله حال الدراما العراقية
الهابطة.