عبد الغفار العطوي
ما البغاء الإلكتروني وما الاختلاف بينه وبين البغاء العمومي ؟ دون شك ثمة اختلاف جوهري بينهما في ماهيتهما ومقاصدهما، مع بقاء الرهانات واحدة تقريباً تمثلها إرادة الرجل في إخضاع المرأة، مع دخول الميديا ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كعنصر وسيط للترويج والتسويق والإشهار، لهذا ولد الفرق المصطلحي الذي يستخدم في التمييز بين ماهية البغاءين، وما هي المقاصد التي تقف وراءهما، فالبغاء العمومي لا يفرق بين البغي وذاتها، حينما ينظر إليهما من خلال استطيقا الجسد، بينما نجد أن البغاء الإلكتروني تنظمه (فلسفة الصورة بين الفن والتواصل عبد العالي معزوز)التي تهيئ الصورة بديلاً عن الجسد اللحمي، والبغاء العمومي نجده في أجلى تعابيره في ممارسة الجنس المباشر، بيد أن البغاء الآخر فيه شوارد ومدونات (بلوغرامات) تجعله ممارسة رمزية، ولعل (الجنس والحريم روح السراري مالك شبل) أفضل مصدر في دراسة البغاء العمومي، لاشتماله على المدونات التي توظف فهمنا للفروق بين البغاءين
البغاء بين النساء هذه الممارسة الجنسية في الجسد ليست بنت، اليوم، ولا طارئة على الحياة الاجتماعية المعاصرة، إنما هي ضاربة بجذورها بالقدم، وتعتبرها النساء قضية مشروعة من وجهة نظرهن الحقوقية المسكوت عنها من طرف الرجل الذي هوبدوره ما زال يشجعها عبر مؤسساته المختلفة، منذ أن اكتشف (الخيانة الجسدية) لهن في عصر الأم، فعمد إلى تنظيم عملية تلك الخيانة وفق ما أسماه بـ(البغاء) وتربط هذه الممارسة بين (تاريخ الجسد) جون روب – اوليفر ج ت هاريس، و(قصة الجنس عبر التاريخ) ري تاناهيل، وبين (صورة المرأة في العصور القديمة) إفريل كاميرون – إميلي كوهرت التي تشكل تاريخاً فخماً من الطقوس والاحتفالات البوهيمية المقدسة تطلق عليه عدة تسميات ملصقة بالتاريخ(البغاء – الدعارة – العهر الخ) لكن المصطلح الأنسب هو(البغاء) لقربه من مفهوم التمرد، فتاريخ البغاء من أكثر التواريخ لياقة في التشهير بالرجل في عالمنا اليوم، من حيث أن البغاء من الرغبات التي تلقي الكرة في ملعب الرجل، ولا نجد أية ظاهرة عمرت كل هذه الدهور على الأرض سواها، ولونظرنا إليها بجدية من زاوية رؤية النساء لها، سنجدهن يقرن بشرعيتها، بل إن أغلب النساء يشعرن بأن ممارستها لا تشمل فئات مخصوصة منهن، تحت مسميات تعتبر بنظر المجتمعات الذكورية معيبة، وغير أخلاقية ، ولقد قامت النسوية بالتصدي لها، لكنها اختلفت مع بعضها في من أيدتها باعتبارها رغبة متعلقة بالجندر كهوية (النسوية الإباحية) وأخرى عمدت إلى نقدها بإيجابية، معتبرة ممارستها ضارة بمجتمع النساء عموماً، مع ذلك هناك قاسم مشترك بين النساء يحفزهن على الاتفاق الضمني بأن القلق الجندري تجاه هذه الظاهرة مبالغ فيه،، وهذا القلق أرسته الأمريكية جوديت بتلر في (قلق الجندر النسوية وتخريب الهوية) عام 1991 وشكل صدمة للنسوية، وعزز موقف النساء من ناحية تقديمهن للجندر نوعاً من الهوية، بعد أن قطعت النسوية في (فخ المساواة تأنيث الرجل وتذكير المرأة جاد الكريم الجباعي) مشوارها في الصراع مع الهيمنة الذكورية، وبدت بتلر في التمييز في الأدوار النحوية التي وضعت في المقارنة بين الجنس والجندر والجنسانية على اعتبارها ليست فروقاً إلا في ضبط بنى الرغبة عن طريق سياسات معينة في التسمية، وهذا يعني أنها تخفي نزاعاً هووياً معقداً وخفياً في بناء الذات، بمعنى أن النساء وهن يمارسن البغاء، يكتشفن عن أن تلك الممارسة الجسدية تخص الذات التي تعني نوعاً من ممارسة الهوية (الجندر) في توفر الرغبة طبعاً، والولوج داخل العقل الجنسي للنساء (النساء الوقوف على الدوافع الجنسية من الثأر إلى المغامرة د ديفيد ام باس - د سيندي ام ميستون) يفتح المجال لفهم ارتباط (الجنس) و(الجندر) عند النساء لا يصب إلا بالحياة الخاصة لهن، من حيث أن هناك أسئلة تضعها الجندر بين الذات والنحو، وتختبئ في الحياة الخاصة للنساء (الجندر الحزين فتحي المسكيني) لأن المعول في التمييز على النحوفي اللغة التي بالكاد تفرق بين (الجنس) و(الجندر) بنظر بتلر في التعامل عند العروض التي تقدمها اللغة، ففي ما يخص السؤال الذي يطرح على المختصين دوماً حول النساء : ما الذي يثير النساء جنسياً؟ ستختلف الإجابة حول كيف تتعامل النساء لوترك لهن الحبل على الغارب، في كتابها (نهاية الحب) تطرح ايفا إيلوز جملة نقاط حول سوسيولوديا العلاقات السلبية التي يولدها (التباس في الجنس ف 3) حيث تقول : لا يوجد سوى القليل من المشاريع الثقافية الراديكالية مثل مشروع الحرية الجنسية، لقد حررت الجنس من الخطيئة والعار، وجعلت الجنسانية شرط الصحة العاطفية () في المساواة بين الرجال والنساء، كما بين مختلفي الجنسانية ومثليي الجنسانية، كان المشروع في الأساس سياسياً، فقد أضفت الحرية الجنسية مشروعية على المتعة الجنسية لذاتها، وغرست في الأذهان الحق في اللذة، وكانت ايلوز عالم الاجتماع الفرنسية متأثرة بأفكار ميشيل فوكو، في الدعوة إلى إطلاق المتعة الجنسية، فاستغلت تلك الدعوة بحيوية الاستجابة للبغاء الإلكتروني بشكل لا يجنب دوافع النسوية الإباحية عواقب بروز فلسفة (الكوير) فقد كانت النسوية الفرنسية ما بعد اللاكانية قد تعثرت بأذيال المصطلحات النسوية التي لم تستطع مكافحة الانتشار السريع للبغاء الإلكتروني على حساب البغاء العمومي، ووجهت بتلر في كتابها الصادم للنسوية (قلق الجندر) في تصدير طبعته الثانية (1999) القول لم أكن أعلم أن النص سيكون له جمهور بهذا الشكل الواسع الذي كان له، ولا كنت أعلم أنه سيشكل تدخلاً استفزازياً في النظرية النسوية، أوسيتم الاستشهاد به باعتباره واحداً من النصوص التأسيسية لنظرية الكوير، فالفرق بين البغاءين، إن البغاء العمومي ظل يقدم الجنس دون تحريك مفهوم الجندر، بغياب الجنسانية النسوية التي كانت غائبة عن عالم النساء بغياب الرغبة (المقصودة) لكن الخروقات والحماقات التي ارتكبتها النسوية غيرت من الترتيب الإجباري(قلق الجندر جوديت بتلرف 1) وبدا القلق الجندري يتهم النسوية في ما يخص السكوت على شيوع البغاء الإلكتروني بتزييف الهوية، باعتبار أن الجندر بات يمثل هويتها