ضوء الشتاء في مئذنة الفراغ

ثقافة 2024/06/13
...

 طالب عبد العزيز 

خمرتك في درج بمكتبك، مخفيّة، والبابُ موارب، يمسك الخوف ظلفته، كما لو أنك تقول لهم: أشاهد فيلماً عن السيدة دالاوي وعن يومها الطويل ذاك، لكنَّ أنغريد برجمان في {ضوء الشتاء} يقفز إلى ذاكرتك، هو الذي جعل راعي الكنيسة يصرخ بوجه المرأة التي كانت تعتقد بأنه يحبّها. ها أنت تصرخ مثله أحياناً، ويدمي كفيّك زجاجُ الحيرة والقنوط.

تلوذُ بما كان تزجيةً، وحبُّك مثلُ إيمانك، منقوصٌ في كلِّ شيء، ومقرفٌ مثلُ انتظارك في عيادة الطبيب.

أهملتَ ألمَكَ ينمو، ويكبر، وتركتَ فوضاك تلتفُّ على رأسك في حانة مظلمة، كما لو أنَّ الثلجَ تحت وسادتك إلى الآن، مقزز ما أنت فيه يا أخي، لا أريدك أنْ تسحق العظاية هذه بقدمك.

تتصلُ بمن تظنّه لك خِدناً، لكنَّ الهواتف تخذلُك، هوّةٌ في المكان، حيث تقيم، لا تُردمُ بالتراب ولا بالتعلّات، ونسرٌ عظيمٌ يحلّقُ عالياً، يحمل كيسَ العظام، تجاهدُ ألا يسقط على رأسك، تقول لواحدة في الحلم: أخرجي الثَّديَ الذي أحبُّ، ما أمكنك ذلك.

أشهري رأسَ حكمته الداكنة بوجه الغضب، ما وجدتِ إلى ذلك سبيلا، قولي للشمس أنْ تشرق على شعرك، في صالة الفندق، فقد دفعتُ ثمن المقالة التي نشرتها البارحة إلى الصيدليّ، ومن الزجاجة التي تفصلني عنه سلّمني علبةً الــ Omnic 0.4mg Capsules . 

ويوجعني أكثر أنْ أنظر لقلبي بعين الفنان الشاب جيامبولونيا، وهو يضع تمثاله الأول، الذي أتقنه، بمهارة مدهشة بين يدي مايكل أنجلو، قبل أنْ يحطمه،  صارخاً به:" الآن، اذهبْ، وتعلّم فنَّ صنعِ التماثيل، قبل أنْ تتعلمَ فنَ وضعِ اللمساتِ الأخيرة".

كنت تريد أنْ تفضفض مع أحدٍ ما، أيَّ أحد. وابنك يحاورك في عدد الذين حملهم نوحٌ في سفينته، يا لهذه الحكمة الناقصة، ويا لها من معزوفة سيئة، تلك التي تتردد في مئذنة الفراغ، تريد بأنْ تقول له: إنك غريب، ووحيد، في الحقيقة لست كذلك، لكن لا أحد يأخذ بيدك إلى لمعة البرق التي بعينك، الذين أخذوا الطريق سيجدونها عاريةً، ولا أحد يزنُ قدمك على قنطرة الانتظار.

تحبُّ الشعر، وتزيد من شأن الموسيقى، وترفعك كؤوسُ النبيذ نصف الفارغة، كخصورالنساء، وتذهب إلى متجرالحيّ، تبتاع شيئاً لا تعرفه، خليط الزيت بالصعتر، أو مما يوصفُ لكبار السن. أحدهم حدَّثك عنه ونسيته، أراك في مفترقٍ لا يفضي إلى المقبرة، حزينٌ وأشعث، ووجهك بلون الخارجين من درس البايولوجي، وآثارُ الخيبة على ظهرك حدبة، أنت الوحيد الذي لم يرها، هل ستقول مثل هذه وتلك لأبنائك؟ هل تصمت؟ وهل يُجدي، ويجدرُ بك ألا تكون الكأسُ الرابعة هي  الأخيرة؟

أتعتقدُ بأنَّك تافه، تافه ومحظوظ في الوقت ذاته، لم لا، والتفاهة باتت درساً اليوم. ثمَّ، وما الذي أرغمك على الجلوس ساعتين، أمام شاشة حاسوبك، ثقيل الاستجابة، تبحث عن السيدة كلاريسا فوغن في تسريحة "ميريل ستريب"؟

وحدهم المجانين ومعلمو الادب يقرؤون بالترتيب، وحسب التسلسل الزمني، لا أقول أنت لكنَّ القاعدة تقول بأنَّ المشاهدَ الحقيقي فوضوي بطبيعته، والقراءة هي ممارسة الحرية المطلقة. هل كنتَ حّراً؟ علام تعيد اللقطةَ ثانية وثالثة إذنْ؟ بينما الخالةُ دالاوي كتبت حياتها في يوم واحد. ما الذي ستفعله في الليل المستخلص من الباب والنافذة؟ هل تتراجعُ في مسمار تدقّه حتى الفجر؟

ومن هذا الذي يحرضك على فتح خزانة الثياب، في الساعة المتأخرة من الفجر.