عبد الكريم خليل.. جماليَّات النحت ومظاهر الأصالة

ثقافة 2024/06/24
...

 خضير الزيدي

اتجه خطاب النحات عبد الكريم خليل منذ ثمانينيات القرن المنصرم  ليومنا هذا، لإبداء تصور جمالي يتخلص فيه من عقد التأثير بالآخر، وبدا للجميع متوجها نحو فعالية خالصة من التصور الذهني الذي يلزمه التأكيد على ثوابت طريقته واشتغالاته في النحت، وكأنه في حركته وتجاذبه مع أدوات العمل النحتي مجرب من طراز استثنائي.
 وهذا الاستعداد المتواصل للعمل مع كل ما هو جديد وخاص يفضي لقناعة مفادها أن هذا النحات يخضع عمله لتجارب وتحولات تلتزم بمنظومة اشتغال لها نزعة العقل وليس العاطفة "من حيث الصياغة والخطاب" مع أننا حينما نشاهد منحوتاته يصيبنا الهوس باستعادة فهم العاطفة في صلب العمل الفني. وهذا الاعتقاد نابع من تدارس بنية الشكل والمضمون والتحول بينهما يضاف له طبيعة الاعتقاد بأن النحت تتنامى في ترابطه اشتراطات وأغراض تخضع لمعايير ذات نسق داخلي منسجم بين طبيعة النحات نفسيا والأبعاد الجمالية والفكرية للمنجز النحتي. وبما أنه يهبنا أشكالا مختلفة لم تأت من حلقات فارغة إلا أن الذي يشغلنا هو تحولات النحت لديه. فهناك ما يمثل صراعا وواقعا مأساويا وبالجانب الأخر نجد طغيانا لمثل واعتقادات اجتماعية وتمردا على واقع مخيف. وهو هنا يلزم مواضيعه حساسية لتتخذ تكرارا في لحظة تصدع واستعارة فهل بدت تكويناته النحتية ذات طابع مثالي وهي تحمل قوة التخاطب أم بدت قوة استثمار الواقع  والاقتراب من توظيفه ذات قدر حساس ينصاع فيه العمل لمجابهة واجهة الحياة اليومية مع خطاب العقل والذهول أمام ما يصيبنا من يأس وتذمر ومكاشفة روحية واجتماعية ونفسية، لنكن أكثر انصافا في القول أمام منحوتات عبد الكريم خليل، فنقول لم تكن اعماله تمارس دورا زخرفيا ولم تزخر بهوس الاسلوبية المتكررة كانت تضم بين طياتها دور الاعلان التحريضي على ما يجابهنا وهي في الحقيقة رؤية متعالية تؤدي غرضا لم يخرج من سياق ثوابت الجمال وتوظيف الواقع. ولهذا تفرض المادة الفنية حيزا من التصور الذهني، وتضع كل التباينات امام حلقة توفرها الصياغات والامكانيات المتعلقة بطاقة هذا النحات. فهو يفكر بمنحوتات تتناغم فيها الاستعارات بما يراهن على ابداء الموقف الثقافي مما يحيطنا أن خاصية عمله تشترط تنظيم الشكل في مستويات بنائية صارمة، ولكن نقطة التحول تكمن في مغزاها التعبيري فلم تكن ضئيلة ولم تكن ساكنة وخاملة لمحمولها وتجانس اساسها الشكلي بدت منحوتاته صارخة ومعبرة بكل اختلاف أحجامها، من حيث البناء أنه يستثمر طاقة النحت بما تتلقاه مخيلته من تبعات واستثمار لمنطق العقل وحسنا يفعل هذا النحات حينما يرجح تقديم المغزى التعبيري على الشكل ليظهر استعدادا لمواجهة اي اختلاف في  الرؤى.
ثمة اعتقاد يجابهنا جميعا حينما نشير لموهبة عبد الكريم بأنه منفتح على انظمة الفن الحديث ومتأن في ابداء اطلاق الرأي او غير متعجل، فيما يذهب به غيره من فاعلية استثمار للتأثير بالآخر او الانجرار وراءه، انه يفكر بنجاح طريقته وخلاصة رؤية عمله لم ينغلق على هوية معينة يتعامل مع المتداول بكل ثقة، مع أن له مراجعه الخاصة واهم سلطة يقبع تحتها هو انتماؤه للمجتمع لهذا نراه يلخص وقائع وينتهي بقضية معينة. كانت غايته من هذا الاعتقاد هو الايمان بجوهر الفن وزعزعته باتجاه ذائقة معينة، تنعكس على قوة الثقافة والتواصل مع المختلف سياسيا لم لا فهو وريث واقع متناقض يتدارك الوقوع في الضياع، لهذا تتولد داخل منظومته النحتية
قضايا حساسة تبدو امثولة لتجلي هوية الفرد العراقي.