فيرن نيوفيلد ريديكوب
ترجمة: سهيل نجم
طوال هذه النقاشات كنت أشير إلى المصالحة باعتبارها عملية. وفي ذلك تأكيد على الطبيعة الحركية للمصالحة ومعنى الاستمرارية فيها. يمكن للمرء أيضاً النظر إلى المصالحة على أنها “شيء” ليس مؤقتاً، تماماً مثلما يمكن التفكير في الضوء على أنه موجة (تكون ذات طابع مؤقت) وكذلك جزيئات فوتونية (شيء). ربما تحدث المصالحة ضمن سياق عملية تجتمع فيها جميع العناصر معاً في وقت واحد بطريقة تتجاوز التفسير المؤقت. تضع قصة يوسف وإخوته المصالحة بالفعل ضمن إطار “عملية”. ولكن بإمكان المرء التركيز على اللحظة التي نظر فيها يوسف إلى إخوته نظرة جديدة بحالتهم البشرية التي تجعلهم معرضين للخطأ ــ حين كشف عن هويته وقال: “إنني يوسف”. في تلك اللحظة تغيرت حقيقتهم. في لحظة واحدة، تحول العنف إلى تراحم. لقد حصل شيء ما في قلب يوسف، شيء مؤثر بعمق ومحرك للعواطف. ذلك التغيير شمل دماغه، وقلبه، وجسده جميعاً.
يكمن سر المصالحة حقاً في حصول مفاجأة أحياناً داخل الروح حيث يتغير فيها الموقف بالكامل. قد يقول أحدنا: “لكن هناك عملية ذات عناصر متكاملة هي التي قادت للمصالحة وتلك العناصر جزء لا يتجزأ منها”. ويمكن للمرء أيضاً الإجابة بالقول إن أي شخص آخر إذا جرب المعاناة التي عاشها يوسف ربما يقول لإخوته من قلبه: “حسناً، الآن سوف أعلمكم ما هي المعاناة حقاً. سوف أريكم ما معنى أن يبتعد الإنسان عن عائلته: كل واحد منكم سوف ينفى إلى مدينة مختلفة. لن تروا أبيكم أو أطفالكم مرة أخرى”. ولكن يوسف قال لهم بدلاً عن ذلك: “تعالوا إلى هنا للعيش معي وسوف أرعاكم واحتضنكم”. المصالحة لا يمكن أن تكون مبرمجة. مثلما لاحظ جون بول ليدراخ، ليس هناك تكنيك من شأنه أن يجعل المصالحة تحدث. لكن بوسعنا أن نتخيل هيكلاً نظرياً يفسح المجال لكل هذه العناصر كي تتحقق.
الهيكل النظري للمصالحة
في البداية، من المهم أن يدرك المرء ما يواجهه في حال وجود صراع عميق الجذور. هناك الذات من ناحية والآخر من الناحية الأخرى، والآخر يكون ذاتاً أيضاً وبالنسبة إليه تعتبر الذات الأولى هي الآخر. تتغلب مشاعر الغضب، والعدوانية، والحسد، والاحتقار، والأذى على الأطراف المعنية بالصراع. هذه المشاعر تعمل على تطوير منطقها الخاص، ضمن ذلك المنطق ثمة تفسير عقلي للصراع وعملية تبرير للسعي إلى إلحاق الأذى بالآخر. يتعرض الجسد إما إلى الانهيار والشلل الجزئي أو تتحفز كل عضلة وعصب فيه للتصرف بطريقة دفاعية أو بأفعال مقابلة من اجل تحقيق “العدالة”.
يتضمن الصراع العميق الجذور عملية تحديد اطر أولية للأطراف المشاركة فيه تشمل منظومة علاقات بين الذات والآخر. ربما تكون الذات أو الآخر أفراداً تتحدد هوياتهم إلى حد كبير عن طريق الصراع، حيث ينطبق الوصف السابق عليهم حرفياً. وربما تكون الذات أو الآخر جماعات تنطبق عليهم الكلمات التي قلناها سابقاً بصورة مجازية لوصف أنماط حركة الجماعات.
إذا تورطت الجماعات في صراع ربما تحصل صراعات داخلية عميقة الجذور بين جماعة وأخرى ويكون من الضروري اتخاذ قرار بتقليص عملية المصالحة إلى مستوى ضيق والتركيز أكثر على هذه الصراعات. ولكن، يفترض أن يلقي الصراع الأساسي بظلاله على هذه الصراعات الداخلية ويؤدي مؤقتاً إلى توحيد الذات والآخر، في كل حالة صراع وبشكل كاف، واتفاقها على قضية واحدة يختلف عليها.