الــميتا هُويَّة في العالَم

ثقافة 2024/06/30
...

  محمد حسين الرفاعي

إن ما يمكن أن نفهمه من الهويَّة بوصفها علاقةً، من جهة الوجود في العالم، والنحو الذي من شأنها، وأيضا ما نفهمه من تعيينات الهويَّة لذاتها، ولوجودها في العالَم، إنما هو في تواشج بنيوي عميق مع العالَميَّة، من حيث إنها ضروب إمكان أن نتعالق- نتواصل. إن العلاقة من حيث إنها [تعالقا- بـ- التواصل]، أي بناء العلاقة على نحو التواصل، ومن ضمنه، تتصل بصيرورة التفاهم، والإفهام، وتصيُّر التوافق الذي يدفع نحو علاقة جديدة مع العالم، وبنية النقد- والنقد المضاد القائمين في جذر كل فعل نحو الخارج.

إنَّ مقولات الهُويَّة، من حيثُ إنَّها مبدأً أعلى في الفهم، وبالتالي في ضروب التفهيم، إنَّما هي، متى تساءَلنا عن [السابقِ- إلى- الهُويَّة]، تُؤخَذُ بوصفها حقول تعيين، ولكن أيضًا ترتيب العالَم من جديد، في كلِّ مرة.
إنَّ الحقيقة المجتمعيَّة، أي تلك المضامين وشبكة العلاقات النَّاهضة على التطابق فيما بين المفهوم المتَّفق عليه مجتمعيَّاً، والوجود المجتمعيّ، المنضبط ضمن أطر تقنين السلوك الفردي، والصوابية التي من شأن معايير الحقيقة المجتمعيَّة، والحقُّ (الصواب) لدى الذَّات، في إمكانات وجود الذَّات الفاعلة مجتمعيَّاً، إنَّما هي، أي الحقيقة، ضروبُ التوافق والاِتفاق التي تأخذ هيئة الإجماع على أن نوجد، وكيف نوجد، في الخارج.
ومتى وضعنا ذلك على نحوِ الإمكان الذي من شأن الذَّات في تخارجها، نكون أمام الفهم القَبْليِّ، والتجسُّد عَبرَ صور ورموز، الذي من شأنه، في الوعي.
إنَّ مقولة الوعي إنَّما هي القضية الحاملة- المُتَضَمِّنة للحقيقة المجتمعيَّة من حيثُ إنَّها هي.
ولكن، علينا الحذر من الوعي المجتمعيّ، كونه يتميَّزُ بإمكان أن تكون مصادرُه غير عقلانية، بعدُ. وهكذا، لا يعني الوعي، الوعي بعامَّةٍ، أي شيء، إذا هو لم يُفهم اِنطلاقًا من الترابط الجذري، بينه وبين مصادره.
أشير، ههنا، إلى التَّساؤل عن وحدة إبستيمولوجيَّة- أُنطولوجيَّة بين الفهم القبليِّ، وتجسُّدُهُ في الوعي؛ شرط أن نفهم الوعي ههنا على أنَّه فهمٌ يتوفَّر على معايير تمكِّنه من الحكم على الأشياء في العالَم.
إنَّ [الـ- ميتا- هُويَّة] والحال هذي، إنَّما هي تأتي من مصادر وجودية- قائمة على نمط بعينه من أنماط الكينونة، أو أنماط متداخلة متشابكة من أنماط الكينونة، الكينونة الخاصَّة بالإنسان، من جهة أولى، وهي تقوم على إمكان التَّساؤل من جديد، وبالتالي الوعي من جديد، من جهة ثانية، وإنَّها تتقوَّمُ بالنقد والنقد المضاد بوصفهما حِرفةَ العقل وقد صار بناءً على الدوام، من جهة ثالثة.
أكاد أقول أن [الـ- ميتا] تشير إلى ما يتخطَّى محدِّدات المجتمع، ولكنَّهُ يمارسُ وعيًا للهوية في المحدِّدات المجتمعيَّة.
وهكذا، يُصبِح فعلُ ممارسةِ الهُويَّة في الخارج، ووعي الهُويَّة في الداخل، شيئان مختلفان ينتميان إلى لحظتين أُنطولوجيَّتين- إبستيمولوجيَّتين متباينَيْن.
إذن، متى شرعنا في وعي الهُويَّة نكون قد مارسناها على نحو قبلي، ولا نكون إلاَّ قد فعلنا بالاِنطلاق من الهُويَّة. لذا، لهذي الضروب من الوعي، ثَمَّ إمكانات فعل؛ ولكنها إمكانات متوقفة على ما يوفِّرُه الخارج عن الهُويَّة، والسابق إليها في كل مرةٍ.
إنَّها حيثيات وجودية ترتبط بالمؤسسة المجتمعيَّة، والآيديولوجيا المجتمعيَّة، والماضي المجتمعيّ الذي ما أن يمضي هو يحضر. أو هو متوفِّرٌ على إمكان أن يحضر، في كل مرةٍ من جديد، وعلى وِجهة- منحى جديدَيْن.
إنَّ تجسُّدَ ضروب الفعل بـ: شرعية الفعل، إمكان تخارجه، والشروط الموضوعيَّة؛ والحال هذي، ليس اِعتباطًا. بل هو نتيجة ونتاج لصيرورة الشبكة، أي ماتريكس العلاقات، بين طَرَفَيْ ثُنائيَّة [الإنسان- والمجتمع].
إنَّ المجتمعيَّة- التَّمَجْتُع، أو في عبارة مُعرَّبة أقترحها [تحديد- الإنسان- عَبرَ- المجتمع]، وإنتاجه به، وإعادة إنتاجه به، ضمن صيرورات بناء مجتمعيَّة هي: [الأسرة- التربية- التعليم- الجماعة- الهُويَّة]؛ إنَّما هي بقدر ما يمكنها أن تحدِّدَ الإنسان وقد صار من شأنه أن يعي، هي تخضع للذات متى أتت إلى المجتمع فاعلةً.
لأنَّ الأقرب إلى الذَّات إنَّما هو الفعل؛ فيما لا نجد ما هو الأقرب إلى الهُويَّة أكثر من المجتمع- [المجتمعيِّ- من- حيثُ- كونه- حَدَّاً- لـ- الفعل].
بذا نحن نفتح المستوى الأعم الذي من شأن الهُويَّة.
بَيْدَ أنَّهُ علينا أن نهيِّأ للتفكير بالهُويَّة اِنطلاقًا من الأعم، في حركة بناء المستويات الأخرى، أي العامّ، والخاص، والأخص. إنَّ الأعم في الهُويَّة، متى أُخذت سوسيولوجيَّاً، إنَّما هو المجتمع. لكن أيضًا، ما / من الذي يصنع المجتمع، يخلقه، وبالتالي يُنتجه؟
إنَّ المجتمعيَّ، متى أُخِذَ بوصفه كُلَّاً متماسكًا معقَّدًا، يُفهم من جهة الأواصر التي تنتج وتعيد إنتاج الهُويَّة المجتمعيَّة.
إنَّ المقولات المختلفة والمتعدد والمتنوِّعةِ التي للمعرفة الناتجة عن الهُويَّة المجتمعيَّة، من جهة كونها أدوات فهم، وسبل تفكير، ووسائل تواصل، ومفاتيح التحليل وصولاً إلى الوعي، إنَّما هي، في المستوى الأعم الذي من شأن الهُويَّة، ليست أكثر من الطرق نحو إمكانَين وجوديَّين: الأول هو إمكان، وكيفيَّة ذلك الإمكان في أن نؤسِّسَ لحقل [الوجود- معًا] ضمن ضروب الاِتفاق على الاِختلاف والتباين والتمايز، والثاني هو إمكان، وكيفيَّة ذلك الإمكان في أن نترابط على نحو أصليّ بذات أنفسنا العميقة مفتوحةً على جملة المضامين التي من شأن الاِتصال بالعالَم؛ وأيضًا وأيضًا الاِنفصال عنه.