محمود أنور: النجاح في الغربة لا يروي شغف الفنان

ثقافة 2024/07/02
...

 حوار: محمد إسماعيل


الوطن عشق لا تمحوه مغريات الغربة، قال الفنان العراقي المقيم في ولاية كاليفورنيا الأمريكية محمود أنور، مؤكداً لـ {الصباح}: أزور العراق حاليَّاً؛ كي أستعيد نشاطي.. تسجيل أعمال جديدة، والتحرك إعلاميّاً؛ لأن المدى الأمثل لانتشار الفنان وطنه، أما النجاحات في أنطقة قصيَّة، فتظل على هامش المنجز وليست منجزاً خالصاً، بالمعنى الدقيق لفكرة غرس بذرة العطاء في أرض خصبة، وانتظار ثمارها، أما دول العالم وجمهورها؛ فهي أرض خصبة لأبنائها؛ لذلك مهما نجح الفنان في الغربة، لا يرويه سوى التواصل مع جمهوره المحلي في الوطن الأم.
* كيف تنظر في هذا المشهد العريض الى واقع الاغنية العراقيّة الان لا سيما في ظل انتشار وسائل التواصل الحديثة؟
 - أتقصد الضخ الإعلامي لصد الهجمة عن الأغنية العراقية، انطلاقاً من أعمال لا ترتقي الى مستوى الغناء العراقي الحقيقي.. اِتخذها المستفزون من العراق، ذريعة للتنكيل بالفن العراقي، في حين لا ننكر وجود أغانٍ ومطربين محدودي الإبداع، لكن التألق أوسع إشراقاً.. أهملوه وتمسكوا بالإسفاف على أنه هوية معاصرة للثقافة العراقيّة، في حين كل الساحات الجماليّة في العالم.. كل مكان وزمان فيه الجيد والرديء.. الرديء يهمل ويركز المتفائلون على الحسن، الأغنية العراقية وصلت الى الذوق العربي؛ لأنَّ السوشل ميديا أسهمت بنشرها، في زمننا ما كان سوى تلفزيون جمهورية العراق.. محلي تماماً؛ لذلك عندما نسافر ونغني في الخارج نعاني من عدم فهم مفردات اللهجة العراقية، في العام 1992 عندما كنت أغني في لبنان أواجه صعوبة في فهمهم للمفردات برغم بساطتها.. الآن صارت سهلة بسبب هجرة الجمهور العراقي.. خدم المطربين، انفتاح السفر بعد 2003 حاملين مبالغ ضخمة، جعلهم يسهرون في نوادٍ طالبين أغاني عراقية، فصارت تفتح نوادٍ سياحية تستقبل عراقيين وشابات لبنانيات، صاروا يحفظون الأغاني وانتشرت
اجتماعياً.

 Color Voice
* كيف تعاملت مع تجربة الاغتراب، وما هي الاضافات التي تعتقد أنّها أثرت تجربتك الفنية والانسانية؟
- الغربة لم تضف لي بل استلبت حميمية انتمائي الاجتماعي.. غادرت العراق لأسباب لا جدوى من ذكرها.. عبرتها المرحلة؛ لكن اكتشفت أنني كنت محاطاً بفخ منصوب للتعتيم الإعلامي على فني منذ 1990 بعد أن تبث أغنياتي في التوقيت الذهبي، صارت لا تبث أو تبث في التوقيت الميت.. كل أسبوعين في الخامسة عصراً.
تأملنا خيراً بتلفزيون الشباب.. عندما فتح.. استبشرنا خيراً، ولم يرفع الحيف عني؛ فغادرت البلد، عائداً الى الغربة.

* هل يعني هذا أن الغربة كانت بالنسبة إليك عامل غياب وانقطاع عن جمهورك؟
- الغربة آذتني إعلاميّاً لابتعادي عن جمهوري، والإعلام لم ينصفني؛ أنا جيل وسط.. بين الرواد والشباب، مع أن ظهوري في الأربعة والثمانين.. فرّق بيني ومن سبقوني، لكن جيلي لم يتواصل أحد.. لذا صنفت نقابياً (أ) لذلك انحسبت على الجيل الذهبي، الآن أتساءل لماذا لا يحترم تاريخ الفنان واستحقاق عطائه؟، في وقتنا لم تتشكل شركات احتكاريّة، وحتى عند تأسيسها انحصر عملها بشباب يريدون الظهور، وليس نحن ذوي التاريخ والتجربة الراسخة؛ لأن لنا شروطاً، بينما الصوت الجديد يخضع لشروطهم.
اما الابتعاد فليس الأصدقاء الإعلاميون فقط، بل حتى الجمهور، يؤكد.. بعدك يضرك، ونحن لنا حق عليك، وخل الجيل الجديد يعرفك.

* هل تدخر الآن أعمالا جديدة وتنوي عن قريب لقاء جمهورك من جديد؟
 - جئت حاملاً مجموعة من أعمال جديدة، مفضلاً المحاولة، بدعم من السيدين وزير الثقافة د. أحمد فكاك البدراني ووكيل الوزارة رحبا، تضافراً مع عناية صديق عمري مدير عام دائرة الفنون الموسيقية علاء مجيد، إن شاء الله هذه كلها تكون بادرة خير، منوهاً: أديت أغاني الوحدة الكبيرة؛ لأنني امتداد لجيل السبعينيات، لكن اختار الكلمات المبسطة.. أقل من “الحسجة”.. وكل الإيقاعات.. الوحدة الكبيرة والراقصة.. هيوة والعدني.. متنوعة.. غنيت الألوان كلها.

* أنت تعدد الآن ألواناً غنائيّة عراقيّة مميزة هل ورث الجيل الجديد من سابقيه هذا التنوع المميز الذي يعد هوية عراقية في الغناء العربي؟
- أساتذتنا السابقون علينا، كل منهم هوية أدائيّة وColor Voice  بصمة، يعرفه المستمع بنمطه الفني.. ورثنا ذلك عنهم، لكن الجيل التالي علينا، برغم وجود أصوات جميلة، لكن غابت الهوية، كلهم يغنون بلون واحد لا تباين ذوقي بينهم لشمول أكبر مساحة من القطاعات الفئوية بين المستمعين.

* عرفت باهتمامك الجميل باناقتك طوال مسيرتك الفنية وبنوع من الترف البهي مضافاً إلى طابعك الغنائي الأنيق.. هل نعتبر هذا جزءاً من شخصيتك الفنيَّة؟
- من مميزاتي الاهتمام بأناقتي؛ لأنَّ مظهر الفنان من مستلزماته الضروريَّة، فوجهه مرآة تعكس الجمال إلى المجتمع، يجب أن يحرص على ظهوره ومنطقه وتعامله.. الأتكيت، أنا أول من وظف مدير أعمال،  وطرحنا ما يُلائم جيل جديد.. له شعراؤه وملحنوه الذين أتعامل معهم.. أغنياتي حميميَّة.. عاطفيَّة، تتغزّل بالحبيبة والجمال، الآن ستنزل لي أغنية قبل عيد الأضحى.. موضوعها:
يوميّة بالناس انصدم.. شمسوي بس أرد افتهم.. شايف بشر يبجي بحلم.. حتى بحلم بجيت.. ما كاسر بخاطر بشر.. بس خاطري هو إنكسر.. ليلي عبارة عن سهر.. براحة ولا غفيت.. عمري ما جارح بشر بحجاية.. شمسوي هيج يصير ويايه.. عندي قلب ما يعرف يخون.. ما يأذي بس أتأذه منه هوايه.. يومية بالناس انصدم” اختار هكذا أغاني.. أحكي حالات الناس.

الشرف والمال
* هل تتبنى فكرة التزام الفنان بقضايا إنسانيّة ووطنيّة معينة وكيف واجهت التغيرات العاطفيّة في الأغنية المعاصرة حيث تبدلت مفاهيم الحب وأفكاره؟
- في جلسة مع كريم العراقي، كان يسمع حاتم العراقي، موالاً من نمط أحبه؛ فأعطانيه إيماناً منه بإقدامي على الأنطقة الجريئة.. غناءً وشعراً ولحناً.. خففت قسوة الموال وغنيته.. حوار بين الشرف والمال:
 اثنين أصدقاء اِلتقوا.. ودار الحديث وطال.. الأول اسمه شرف والثاني اسمه مال.. كال الشرف أعترف هذا زمان المال.. لكن شريف النفس يكدر يصون النفس.. مهما يكون الحال.. خربت كل شي حلو.. بسك بعد يا مال.. الإيمان قل والوفه.. والحال أردأ حال.. وبعض البشر للأسف صاروا عبيد المال.. المال مسه الغضب.. إنتفض كالطاووس كال إعترف يا شرف.. بالواقع الملموس.. وحلفك يا شرف بالغيرة والناموس.. من يحترم آدمي لو ما بجيبه فلوس.. المال يكدر يشتري الأصحاب والخلان.. والهيبة والسيارة والبستان.. التاج مال حطه ملك.. التاج سلطان.. بالمال إنباعت دول وإنخانت أوطان...
وهذا هو مبدئي.. الغناء رسالة أخلاقية، مثل قصة الشاب والشابة المتحابين يتفاجأ بها في كلام رائع للشاعر عدنان هادي، يعاتبها فتجاوبه فيظهر الحق لها، لكن إستعجلت.. الغاية من هذا الموال.. رسالة الى الشباب.. يا جماعة الحب ليس كلاماً وأنال ما أريد وأغادر.. الحب يتوج بتكوين أسرة، وإسمه موال القصة.. أغاني توعية؛ لذلك أتميز بتقديم أغاني هادفة.

جيل الهوى
* من هي الأصوات القريبة من محمود انور في الجيل السابق وكذلك الجيل الحالي اذا كنت تؤشر بعض الأصوات الواعدة؟
- ثمة أصوات جميلة ومتمكنة في الجيل الشبابي الحالي، ونسائياً ثمة أصوات طربية تقليديّة، الى جانب غجريات ذوات أصوات رائعة، قبل الشهرة أسمع فيروز وأم كلثوم وفريد الأطرش، لحزن صوته القرينة التي تشمل نبرات حنجرتي، عراقياً أحب كل الأغاني الجميلة التي أداها الأساتذة السابقون على جيلي.. فؤاد سالم وقحطان العطار ود. فاضل عواد وحسين نعمة، وحتى من جيلي ومن تلاني.. زمنياً، لكل تاريخ مشرف في الأغنية العراقية، في الخليج أحب صوت عبد المجيد عبد الله، في يا طيب القلب وينك وسواها.. أحببت أغانيه.

فجوة اجتماعيَّة
* أنت تقيم في كاليفورنيا، ولكنك تحمل معك ذكريات فنان صعد نجمه في وقت الحرب والحصار، هل اثرت الحرب على الفن العراقي وعليك شخصيا؟
- مقيم في كاليفورنيا.. وأتمشى الى المكسيك.. أسهر فيها حتى الصباح، عائداً بالذاكرة الى الحرب والحصار “العقوبات الدوليَّة”. هل أثرت الحرب والحصار على فننا، لا لم يؤثر.. بالعكس.. كانت فترة انتعاش ثقافي.. خاصة الفن والغناء تحديداً ازدهر مع كل الفنون والثقافات والآداب.. متميزاً عن ميادين الحياة كافة؛ لأنَّ هناك عطاءً متواصلاً للفن وعناية بالفنان العراقي من ناحيتين.. الأولى توجيهيَّة وهي حسب ظروف التحركات العسكريّة وهذه كنا موجهين فيها، والناحية الثانية.. كانت الحياة طبيعية عايشينها داخل المدن.. محلات وسهر وشغل جيد جداً، أما من ناحية صناعة الفن.. أي واحد يغني لوطنه، عندما يدخل حرباً أو يتغزل به في السلام.. من دون حرب، وأعلن: وجدت الخارج.. الآن.. الخارج يتمفصل بين موضعين إذا أردنا الحديث عنه، أولاً الموضوع الفني.. الغربة تبعد الفنان عن فنه؛ لأن الابتعاد عن المنظومة الإعلامية يؤدي الى اختصار عطائك على الجاليات فقط، وممكن التوجه الى بعض البلدان الغربية، أما بالنسبة الى الموضوع الثاني.. حياة استقرار وأمان لا أحد يخترق خصوصية العالم الذي تبنيه لنفسك.. لا أحد له شأن بك مهما فعلت من أمور لا تسبب مداهمة لخصوصية الآخرين ولا تزعجهم، فلا أحد يتطفل عليك، وهذا بالنتيجة أدى الى فجوة اجتماعية.. كل مشغول بحياته وعمله، لأن هناك اِلتزامات وراءه بالتالي.. يعني غير حياتنا الحلوة التي نعيشها في وطننا العراق، والعالم العربي بشكل عام.. علاقات اجتماعية وتكافل، هناك عندما تظلم الدنيا.. كل يكن في منزله.. مثل الدجاج ناموا.. الحياة عندهم الليل فقط في الويك أند.. أيام العطل.. الجمعة
والسبت.

* ما رأيك بالانفتاح الاعلامي ما بعد 2003 وانتشار الفضائيات ودورها في توسعة التجربة التواصلية مع الفنانين؟
- ظلت الفضائية العراقية معتمدة على توجيهات الدولة، أما انفتاح 2003 فأنا كنت مقيماً خارج العراق، وهنا نعود الى أنني لم ينصفني الإعلام لأنني بعيد عن الوسط، وظهور موجة كبيرة من الأصوات، والقنوات التي أنشئت ليست كلها تابعة لناس إعلاميين يتفهمون الفن، معظمها ذات أجندات بعيدة عن الفن، شغلوا فنيين ومحررين ليسوا ذوي اختصاص، لا يعرفون الفنانين المهمين.. يعرفون أقرانهم عمرياً واجتماعياً؛ ما خلق فجوة بين جيلين، بحيث الشاب المشرف على البث أو معد أو مقدم برامج لا يعرف الفنانين بل يعرف الطارئين الذين يفرضون حضوراً غير مبرر فنياً.. هؤلاء الشباب صاروا محط اهتمام موجة من فضائيات لا تعرف ما قبلهم.. تخدمهم أكثر منا.. نحن فنانو الجيل السابق، ولهم جيل جديد من الشباب، لكن نحن عابرو المراحل؛ لذا سأعيد مجموعة منتقاة من أغانيي في ألبوم بتسجيل أسلوبي جديد؛ كي تصل الى الشباب، إذ لدي فكرة ذات “ستايل” آخر.. غير شكل.

* هل تعتقد بوجود بون كبير بينكم وبين تجارب الشباب الغنائيَّة الان؟
- جئنا في زمن شكل انتقالة بالنسبة لنا؛ أما الجيل التالي علينا، فاِنفطرت حواسه على هذا الواقع الذي يمثل انتقالة حادة بالنسبة للأجيال السابقة، الفترة التي كنا فيها.. أسجل على الريل أبو ثمانية تركات، مثل الأساتذة السابقين، ومحدود أية غلطة تعني إعادة العزف والأغنية كلها من جديد، في حين الآن على الحاسبة يستطيع المطرب أن يسجل ألفين “ترك”، حتى الصوت يتحكمون به.. التكنولوجيا لعبت دوراً فائقاً، وهذا الجيل بُنِيَ على العلم، مرة بكيتُ على مسرح بابل متذكّراً جرح الوطن؛ حيث دخلت متردداً خشية ألا أخرج، مستطرداً: خلال حفلة في البصرة، مزق الجمهور ثيابي، وكنت سعيداً بهذا الحب؛ لأنهم هكذا يعبرون عن مشاعرهم وإعجابهم... فرحان لم أشعر بالتفاصيل، دخلت مرتدياً بدلة صارت يلكَ!