ابتهال بليبل
تستمدّ نينا عامر نصوص "أسلحة أنثوية عديمة النفع" بشكل كبير من تجارب حيوات سريّة لنساء مهمّشات في الفضاء الاجتماعي والثقافي العام. وتستكشف - بعمق ووعي - تعقيدات تلك الحياة عبر ملاحظة "وجهي خارطة قديمة لأحداث بشعة مرّت في حياة أمي/ فتخلصت منها مسقطة إياها على وجهي". وتتوافق مع الحركة النسوية في صراحة نصوصها، وكشفها عن ذات وذكريات تسلط الضوء على مشكلات تواجهها النساء في مجتمع أبوي.
وبوصفها نسوية، تصوّر لنا بقصدية الحساسيات المتمردة وتتناول التزمت الجنسي والنفاق والكذب والاغتراب، إذ تهدف كتابات النساء - كما هو مفترض- إلى الكشف عن الأجندات الخفية عبر تسليط الضوء على الهياكل القمعية للأيديولوجيات الأبويّة وتحدي الطريقة التي يُنظر بها إلى العلاقات والأدوار بين الجنسين.. فهذه الهياكل القمعية هي التي تمكّن النساء من كشف ملامح الهيمنة التي يخضعهن لها.
ومن ثمّ تكون النصوص الإعترافية موغلة في التعبير عن تجارب مؤلمة ومرفوضة من دون أي "فلترة" وغالباً ما يكون لها قيمة وثائقية. لأنّها تتجاوز حدود الفضاء المنزلي "الهامش" إلى حدود المجتمع "المتن".
وتُعبّر نينا عامر وهي شاعرة يمنية ومؤسسة ورئيسة تحرير مجلة ايلدا للأدب والإبداع النسوي، بقوة عن قضايا النوع الاجتماعي وتكشف عن تعقيدات نفسية شائكة لامرأة عارضت الجرائم، التي ترتكب ضدّ النساء من خلال الكتابة فقط. لذا هي تعكس الوضع المتغير للمرأة العربية وتتحدى دورها في مجتمع أبوي تقليدي.
ويكشف نص "أفكار غير صحية للمحافظة على الصورة العائلية" عن إحباطات وتناقضات الأنثى في بنية اجتماعية ذكورية مهيمنة وشوفينية، إذ يكون وجودها محزنًا ومغترباً. ومن خلال رسم صورة "تعلق شرف الذكور بالأعضاء الأنثوية" يتم إخضاع النساء باستمرار وتقليص مكانتهن، فتقدّم عامر صوتاً يمثل جميع المجتمعات المهمشة التي تُركت لتعاني وطأة النظام الأبوي بصمت وسكون موجع. وفي الوقت نفسه، فإن الجهود غير المجدية التي تبذلها النساء في محاولة لإخفاء هوياتهن، تجعلهن أكثر عرضة للتمييز. فاستعادة أنوثتها من خلال محاولة الاستعانة بمقولة نوال السعداوي "الشرف هو أخلاقكم" ربما يجلب انتقادات مجتمع يتجاهلها بوصفها ساخرة! لذا حاولت التخفيف من هذا السيناريو المحبط بقولها "للرجل الشريك/ أو الحبيب": "الكلام غير اللائق، بالنسبة لي هو أن تقول إنك لست رومانسيا بعد ليال طويلة من القبلات اللزجة بدءاً من العنق حتى آخر الشبق. أما عن الكلام المرّ فهو الذي يتفوه به رجال العائلة، على أية حال سأخرجه في الصباح من جسدي كفضلات بعدما أشرب فنجان قهوة مع سيجارة. هذه سياسة فعالة للتعايش مع العائلة".. فالحبيب، بحسب سيمون دي بوفوار، هو محور وجود المرأة إذ تقول في كتابها "الجنس الثاني": "المرأة ترى في الحبيب رجلا تستطيع من خلاله أن تثبت وجودها في العالم". ومن خلال النظر في ثيمات الكتاب الاعترافية البارزة مثل "الأمومة والحبّ والعائلة والجنس والذكورة والأنوثة"، تؤكد نينا دائما على الدور الأهم المفترض للمرأة. ويظهر ذلك في "حياة ضيقة لفتاة صغيرة.. لا تسع أحلامها حقيبة، المضي قدماً، ما لم يكن حلماً، حياة أضيق بقليل من قميص، امرأة خرساء تصرخ داخلي، أشجار وحيدة أسفل نافذة" بوصفه نقداً نسوياً للتمثيل "المهمش" للمرأة الضعيفة، والخاضعة "تضيق بي المدينة كأنها مصارع ضخم أمام هشاشتي"، التي تتجذّر مشاعرها "بمقاسات تناسب حجم المشكلات، لكي لا تسقط العائلة من سلالم الحياة".
لقد وصفت النسوية إيلين شولتر، التغيير في أواخر السبعينيات بأنه تحول في الاهتمام من "نصوص الرجال" إلى "نصوص النساء" كتأكيد على مقاومة المرأة عبر التعبير عن الذات رغم وجودها في مجتمع ذكوري قامع. مع عامر، نكتشف وعياً بمبدأ أنثوي متطور يتجاوز التعريفات الأبوية للمرأة والشاعرة. إذ تجاوزت بعض نصوصها المناقشات الأولية حول النوع الاجتماعي عند النظر في أهمية النشاط الجنسي وعلاقته بالثقافة.
وفي نصّ "رسائل نصيّة ترتدي كورسيه سكيس" لقطات، تصف كفاحها في الحفاظ على هويتها كأنثى وعلاقة الملابس المثيرة بإحساسها، ثم بعد ذلك تحاول إعادة وضعها في خطابات نسوية.
تعتبر فكرة الاعتراف هنا مركزية عند قراءة نص، يتناول مضامين الحياة الجنسية واختيار المرأة في سياق علاقتها بالرجل.
على هذا النحو، يأخذ النصّ مجموعة من المشاهد كلحظات فردية تتدفق تفاصيلها في حوار سريّ يخلق شعورا بتقبّل التحديات والقلق كجزء من اكتشاف الهوية الأنثوية.
ويقدم نصّها "أسلحة أنثوية عدمية النفع" طريقة جديدة للتنظير النسوي كواحدة من أكثر القضايا تعقيدا بالنسبة للمرأة. فالنساء عادة منغمسات في ثقافة لا يتمكّن فيها من التعامل بحرية مع حياتهن الجنسية. لأنّ العذرية مرادفة لشرف الأنثى؛ شرف يشكّل مفهوماً جنسياً ومصدراً لأشكال متعدّدة من العنف. في حين يتغاضى عن الرجال في تعبيرهم الحرّ عن حياتهم الجنسية، بل يعدّ الأمر رمزا للرجولة، ويدان هذا الموقف بالنسبة للنساء جدا.. وهكذا أصبحت النساء هجينات في ثقافة تغذيها الصورة النمطية للحب، حيث الزيف والخوف والشعور بالذنب.
إنّ الحب من شأنه أن يميز العلاقة بين الرجل والمرأة، التي كانت الإثارة الجنسية إما غائبة عنها أو مموّهة، لذلك أصبح افتراض الحياة الجنسية عبر الكتابة النسائية قراراً مروعاً، إن لم يكن مدمراً بالنسبة لهنّ، الأمر الذي لم يثر "خيالات فضفاضة عن نهايات مختلفة لشجارات ذات الفساتين المألوفة لكن لا أثر للون وردي ولا لرجل عاشق". عن أية رغبة أو دوافع من هذا النوع.
من هنا فقد أعاد كتاب "أسلحة أنثوية عديمة النفع" تفسير مفاهيم المحلل النفسي جاك لاكان في "أن مفاهيم الذكورة والأنوثة تتولد من الخطاب واللغة".