باسم سليمان
يعد فيلم (Furiosa: A Mad Max Saga) {فوريوسا} لعام 2024 إخراج جورج ميلر الذي حقق إيرادات مهمة وتصدر شباك التذاكر، منبثقا عن فيلمه (طريق الغضب/ Mad Max: Fury Road لعام 2015) الذي نال العديد من جوائز الأوسكار، حيث كانت فيه الثائرة فوريوسا (تشارليز ثيرون) تقود صهريجا مليئا بالنفط والمحظيات اللواتي هربن من عصابات الطاغية أمورتان جو (لاتشي هولم) في صحراء حمراء اللون لا يبدو لها نهاية.
عبر مشاهد سريالية وسيمفونية من الحركة والسرعة والقتل والانفجارات والمخاطرات البهلوانية والموسيقى.
لقد ترك فيلم "طريق الغضب" أسئلة غير مجابٍ عليها على شاكلة: كيف أصبحت فوريوسا بتلك الثورية؟
وكيف أقنعت المحظيات بتلك الخطوة الجريئة؟
وهنّ يعلمن أن لا شيء يوجد خارج قلعة أمورتان، إلّا الصحراء القاتلة، لقد جاء الفيلم الجديد لميلر ليملأ الفراغات التي لم يستوعبها فيلمه السابق، وخاصة السؤال المتعلّق بفوريوسا التي انتفضت على أمورتان، فمن أين جاءت، وظهرت كإحدى الأمازونيات في الأسطورة الإغريقية، قادرة على تحطيم أسطول أمورتان من السيارات المسلحة والدراجات المجنونة والمحاربين المصبوغين باللون الأبيض الذين يتوقون إلى الموت كي يبْعثوا في فالهالا (جنة الأبطال في الأساطير الإسكندنافية).
تدور أحداث سلسلة أفلام (Mad Max) بعد كارثة أبادت البشرية وحوّلت الأرض إلى صحراء قاحلة، أمّا ما تبقى من البشر فهم أقرب للموتى، لذلك كان أمورتان يبحث عن نساء صحيحات جينيًا، حتى ينجب منهنّ أطفالًا أصحّاء، يحقّقون له حلمه في السيطرة على الأرض.
انطلقت أفلام ماد ماكس عام 1979 وعبرت منعطفات عدّة، كان للذكر فيها دور المواجهة مع الطاغية أمورتان، لكن مع الجزء الرابع وظهور فوريوسا إلى الفيلم الحالي، الذي يسرد نشأة تلك المحاربة العظيمة التي كانت جوهر فيلم "طريق الغضب"، فهذا يعني بأنّ السلسلة أخذت منحى يسلّط الضوء على دور
الأنثى.
إذن يعتبر الفيلم شريحة من ماضي فوريوسا، ويكشف لنا بأنّ الواحة الغنّاء التي كانت تقود المحظيات إليها في طريق الغضب، ليست وهمًا أبدًا.
يبدأ الفيلم بمشهد لغابة مليئة بالأشجار المثمرة، حيث كانت الطفلة فوريوسا تراقب مجموعة من الرجال المسلّحين الذين اهتدوا إلى واحتها الخضراء، لكن عُطلت دراجاتهم، لكي لا يعودوا من حيث جاؤوا، ويحضروا معهم آخرين إلى تلك الواحة التي بدأت تتعافى بعد الكارثة.
يُقبض على الطفلة فوريوسا من قبل أتباع ديمنتوس(كريس هيمسورث) الذي يقود عربة تجرها ثلاث دراجات بواسطة اللجام، كأنّه أحد القادة الرومان.
تطارد والدة فوريوسا الخاطفين وتقتلهم، لكن يُقبض عليها هي وابنتها في النهاية من قبل أتباع ديمنتوس، لتنتهي مصلوبة على شجرة، بينما كان ديمنتوس يخطب بدراجيه المسلحين ممسكًا بالطفلة الصغيرة، لكن سرّ الطريق إلى الجنة دفن مع أم فوريوسا.
تشي المشاهد الأولى أن هناك أرضًا قد نجت من الدمار تحكمها النساء، نستدل منها على إدانة لتاريخ الذكور الذي أودى بالبشرية إلى كارثة.
يبقي ديمنتوس على حياة الطفلة آملًا أن تخبره يومًا من أين أتت؟
تحافظ فوريوسا على سرّها وتحتفظ ببذرة فاكهة في جديلتها.
يطمع ديمنتوس بقلعة أمورتان وعندما يفشل يحتل مصفاة نفطه، لتبدأ المفاوضات حيث يحتفظ أمورتان بفوريوسا لتكون محظية له في المستقبل.
تهرب فوريوسا وتتنكر بزي صبي لتصبح مساعدة سائق صهريج (توم بورك) ينقل الطعام من القلعة ليبادلها بالنفط من المصفاة التي احتلها ديمنتوس.
تكبر فوريوسا لتبدأ طريق غضبها الخاص لتنتقم من ديمنتوس الذي صلب أمها.
يضعنا ميلر في مقارنة بين فوريوسا (أنيا تايلور جوي) وديمنتوس الذي قُتلت أسرته بوحشية في طفولته، فكلاهما تعرّض لعنف مدمر، فما الذي قادهما إلى طريقين مختلفين؟
على ما يبدو أن ميلر يوجّه نقده إلى تاريخ الذكور.
ينتهي الفيلم بمعركة هائلة بين فوريوسا وديمنتوس، تخسر فيها ساعدها الأيسر، حيث نُقشت خارطة النجوم التي ستستدل بها إلى موطنها حيث الخضرة، لكن الأمل مازال موجودًا لديها.
تقبض فورويسا على ديمنتوس وتقوده إلى المكان الذي يسجن فيه أمورتان محظياته، حيث تزرع البذرة التي احتفظت بها في المنطقة التناسلية لديمنتوس وما يحمله ذلك من دلالات.
تمرّ السنون وتنمو شجرة جذرها في حوض ديمنتوس، وعندما تثمر تتأكّد المحظيات من كلام فوريوسا عن تلك الجنة الأرضية، فيهربن معها؛ الآن اتضحت النقاط المخفية في فيلم "طريق الغضب".
لا ريب أن فيلم فوريوسا، هو مرافعة مدوّية ضد تاريخ الذكور، فعلى الرغم من عنف ديمنتوس إلّا أنه كان يمتلك بلاغة في الكلام وحكمة وحسّ تهكّم كبيراً جعله بالنسبة لتابعيه أقرب إلى النبي الذي سيقودهم إلى النجاة، لكن مع كل ذلك كان لا يختلف عن أمورتان، فكلاهما مهووسان بالسلطة والعنف، فما نفع البلاغة والحكمة وحسّ السخرية التي يتمتع بها الرجال ماداموا غير قادرين على نبذ العنف والقتل من أجل السلطة، على الرغم من أن فيلم فوريوسا فيلم حركة وعنف قبل المضمون الجاد إلّا أن ميلر استطاع أن يجعله فيلمًا للتأمّل والاعتبار.