علي حمود الحسن
ألقت الحروب والاحتلال الإسباني لمدن الكاريبي والوباء ظلالها على رواية "الحب في زمن الكوليرا" لغابريل ماركيز؛ مرة بشكل معلن ومرات مضمرة، فيما بدت إخبارية وهامشية في النص الفيلمي، إذ ركز الفيلم على قصة الحب التي لم تخفت جمرتها في قلب فلورنتينا لحبيبته فيرمينا داثا التي تنعم بسعادة مع زوجها الطبيب واستحقاقات أسرتها البرجوازية من سفر إلى صالونات وحفلات مخملية، حافظ الفيلم على أزمان الرواية بشكل عام، فالفيلم كما الرواية اعتمد زمناً دائرياً يبدأ وينتهي بنقطة، فضلاً عن أزمان أخرى داخلية للشخصيات، بعضها تعود بالأحداث إلى الوراء (فلاش باك) وأخرى تسبقها (فلاش فورورد)، هذه الأزمنة استخدمها الفيلم بشكل أقل، بينما ارتكز البناء السردي عند ماركيز على التلاعب في الزمن متجاوزاً السرد الخطي، وإن وظفه في بعض خطوطه السردية، كذلك زخرت الرواية بالتكرار على العكس من الفيلم الذي لم يتمادَ بالتلاعب في هذه الأزمان ليضمن السياق البصري المنطقي المناسب للعرض، أزمان أخرى تضمنتها الرواية متسقة مع تعدد الأحداث والشخصيات، لكن الفيلم أغفلها، لأن الصورة تسد مسدها وربما توحي بها على أقل تقدير، النهاية في الرواية تنفتح على أكثر من تأويل، بينما نهاية الفيلم منسجمة مع النسق السردي للفيلم.
هنا يبرز سؤال: هل بعد كل ما ذكرنا، أخفق صناع الفيلم في اقتباسهم لرواية ماركيز "الحب في زمن الكوليرا"؟
الجواب بنعم فيما لو اعتقدنا أن الوسيطين الروائي والسينمائي متشابهان، و بـ "لا " إن كان الاعتقاد بأنهما وسيطان مختلفان، وهذا ما أسعى إلى تأكيده والتركيز عليه، فالنص الروائي يمكن اقتباسه لمرات ومرات حسب رؤية المقتبس وما استهواه من النص، رسائل ودلالات ظاهرة ومضمرة، فرواية "الحرب والسلام" ليو تولستوي، اقتبسها للسينما المخرج الأميركي كينج فيدور وتشارك مع سبعة كتاب سيناريو في إعدادها للسينما، وهي قطعاً تختلف عن معالجة سيرغي بوندارتشوك الملحمية للرواية ذاتها، وهذا الكلام ينطبق أيضاً على الآلاف من الروايات العالمية، أما على صعيد المسرح فإن معظم أعمال شكسبير تم اقتباسها للسينما، بل إن مسرحية "روميو وجوليت" وحدها تم اقتباسها 150 مرة، و"هاملت" 120 اقتباساً، بينما وصل عدد الأفلام المأخوذة من "عطيل" 40 فيلماً، هذا يعني أن كل واحد من هذه الأفلام المقتبسة له سماته وخصوصيته، فبعضها تعاملت مع النص الروائي وفقاً لقاعدة المشابهة والاقتباس الحرفي والكثير منها اشتغل على قاعدة الاقتباس الحر، لذا ليس من الانصاف التقليل من شأن الفيلم، مقارنة بعظمة النص الروائي الذي سطره يراع غابريل ماركيز.