ضرغام عباس
عندما كنتُ صغيرًا كان كل شيء يُعجبُني
ولم يكن الإعجابُ مشابهًا لما أنا عليه الآن
كان ثمّة ما يمكنني لمسُهُ بأصابعي، أن أتذوّقهُ وأراه
كان شيئًا ما ملموس ومرئي وفي منتهى الضخامة رغم ضآلته.
كان مشهدُ المرجِ الأخضر والنبع الصغير
والشمس التي تغربلُ النهارَ في أُفقِ الغروب
موضعَ دهشةٍ لا مثيلَ لها.
كان لظلامِ الليلِ رائحة، للفجرِ
للريح التي يجرُّها قاربٌ صغير
كان فجرُ اللهِ وإن توقّدَ جمرًا مبعثًا للدهشة.
أنا دائمًا هناك، في مكانٍ ما من هذا العالم
أتوقّدُ جمرًا.
لو أنّني كنتُ طفلاً سعيداً!
هل كنتُ أستطيع أن أغلقَ على نفسي أبوابَ الطفولةِ ونوافذها!
هل كنتُ سأكون قادراً على منع دخول
أيّ يومٍ جديد إلى حياتي !
الزمن لن يقبل المعاودة ولا التكرار
لن يقايضني على أيّ مشاعرٍ أو أحاسيس قديمة
العود الأبديّ يتحوّلُ إلى مجرّد مفهومٍ غير فعّال خارج السطور
إذ كلّما كبرتُ تضاءلتْ أحاسيسي وذوَت
حتّى أصبح كل شيء كفولاذٍ بارد
كالصّدأ، ككتلةٍ إسمنتيّةٍ ميّتة.
*
رجلٌ يصيبه السّأم
يخرجُ إلى الشوارعِ الباردة
وهناك يصبح اثنين
يمشيان معاً "نفسهُ وجثّته"
كومة أنقاض متجوّلة.
*
لا ينتظر أحدًا
ولا أحد في انتظاره
لفترةٍ طويلة ظلّت آلامه تختمر في أعماقه
فوجّه لكماته نحو السّماء، لكمَ ظلّه أيضًا
وركل الجدار.
كل شيءٍ مستريح، هادئ
وقريبًا أنت أيضًا تستريح.
*
كما لو أنّني مرآة، لكلّ ما يحدثُ حولي.
*
الكتابةُ أقصرُ دربٍ إلى الخلود.