عصا الدكتاتوريَّة في زمن الديمقراطيَّة

ثقافة 2024/07/10
...

حسين رشيد

ما زال “قانون الاتحاد العام للأدباء و الكتاب في القطر العربي رقم (70) لسنة 1980 “ كما ذكر في تعريفه، نافذاً ويُعمل به من قبل إدارة اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، القانون صدر عن مجلس قيادة الثورة المنحل وموقع من قبل الطاغية المقبور، وجاء وفق مقاسات وأفكار البعث الفاشي، والترويج للثقافة القومية واإقصاء أي أفكار أخرى، ورغم عديد المطالبات بضرورة تغييره بما يتماشى مع النظام الديمقراطي في البلاد، فقد بات من الضروري جداً تغيير هذا القانون ومحو أي اثر لثقافة البعث المباد.
لا توجد فقرة في القانون أو النظام الداخلي تسمح لرئيس الاتحاد والأمين العام بتشكيل أي لجان تحقيقية دائمة قبل وقوع اختلاف بين طرفين مثلما جاء في الأمر الإداري المرقم (771) بتاريخ 4  / 6 / 2024 والذي نصَّ على تشكيل لجنة تحقيقية تراقب وتتابع ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الأدباء وهي سابقة خطيرة لم تحدث منذ سقوط النظام المباد، وفق المادة (1) ثالثاً – “تكون للاتحاد صفة المؤسسات ذات النفع العام لأغراض تطبيق أحكام القوانين المرعية في هذا الشأن” وجلُّ تلك القوانين لا تنصُّ على تشكيل لجان تحقيقية كما جاء في الاأمر الإداري المُشار إليه أعلاه .
ورد في أمر تشكيل اللجنة التحقيقية تكليف لجنة خاصة أخرى ستمارس عملها لمتابعة كل إساءة مباشرة لأي رمز أو معتقد أو فكرة نيّرة، أو لكل ما من شأنه أن يزعزع الهدوء الثقافي، وينقل صورة غير صحّية عن وسطنا العزيز، وستفصل اللجنة بأي خلاف بين عضو وآخر (لا سامح الله) وبمجال التخصص الأدبي.
ومع أنها فقرة مطاطية وفضفاصة لكن بين سطورها ما يثير الريبة، فمن يحدد الإساءة، ومن يحدد الرمز الذي لم يبين ماهية الرمزية هل هو رمز ديني أو سياسي أو ثقافي، وما الفكرة النيِّرة التي يخشى اتحاد الأدباء انتقادها، وكيف يمكن لمنشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن يهدد ما أسموه “الهدوء الثقافي” رغم أن لا وجود لهكذا وصف في تاريخ كل ثقافات الأمم، الثقافة صخب وجدل وحوار واختلاف وبناء أسوار ديمقراطية تتيح حرية التعبير والانتقاد .
 وجاء أيضاً “احترام قرارات الاتحاد وفعالياته وعدم التجاوز عليها ومنظميها، عدم إثارة النعرات، وعدم الهجوم على المؤسسة الحاضنة لتطلعات الهيأة العامة والجمهور الثقافي”.
إدارة اتحاد الأدباء جاءت وفق ممارسة ديمقراطية وانتخابات رغم ما أُثير عنها من إشكالات، فيفترض عليهم احترام هذه التجربة الديمقراطية وتكريس مفاهيمها، والانفتاح على الأدباء أو من يعترض على الفعاليات، لا تكريس النهج الإقصائي وتهميش هذا الطرف أو ذاك، والشروع بدكتاتورية نقابية جديدة تؤسس على مخلَّفات الثقافة الزيتونية القمعية .. ثمن الحرية التي حظينا بها كان كبيراً ومكلفاً جداً، عقود من القمع البعثي والإرهاب الثقافي الذي كان يمارسه أزلام مكاتب الثقافة القطرية والقومية، وكتيبة أدباء البعث ومدَّاحي الطاغية ومن على شاكلتهم، ليس من السهل على الأديب العراقي التفريط بتلك الحرية، ومن المعيب مراقبة صفحات الأدباء في مواقع التواصل الاجتماعي وإرسال تبليغات الحضور للتحقيق في إدارة الاتحاد، أو المحاكم ومركز الشرطة، فمثل هذا لايمتُّ للثقافة الوطنية بشيء، بقدر ما سيكون امتداداً لحقبة البعث المباد.