معنى كربلاء

ريبورتاج 2024/07/10
...

 وسام الفرطوسي

تعدّدت محاولات تعريب اسم كربلاء، وكثُرت الافتراضات والتأويلات لتعريبه من قبل المؤرخين العرب، فمن (الكربلة) التي هي التربة الخاليَّة من الحصى، إلى (كرب) يعني القرب، إلى (كرب وبلاء)، إلى (الرخاوة) إلى غيرها من الأقوال، كما تعددت الأقوال في اسم (كربلا) ــ بالقصر ــ من قبل المؤرخين الذين أرجعوا هذا الاسم إلى جذور ساميَّة آراميَّة وآشوريَّة وفهلويَّة وغيرها.
تعرف كربلاء بمدينة القباب الذهبيَّة، وهي واحدة من أهمّ المدن العراقيَّة القديمة، التي تعود جذورها إلى عصر الحضارة البابليَّة (الألفيَّة الثالثة قبل الميلاد) وتعدُّ مقصداً لملايين الزوار المسلمين في العالم الإسلامي على مدار السنة، ونعتت كربلاء بأسماءٍ عديدة مختلفة منها: كربلاء والغاضريَّة ونينوى، وعمورا، وشط الفرات، وورد منها في الروايَّة والتاريخ أيضاً باسم: ماريَّة، والنواويس، والطفّ، ومشهد الحسين.
وذكر ياقوت الحموي أنّها لفظة عربيَّة مشتقّة مِن الكربلة، وهي رخاوةٌ في القدمَين، أي الرخوة، أو مِن التهذيب والنقاوة، أي الأرض المنقّاة من الحصى والدغل، أو لأنّ فيها الكثير من نبات الكربل، وهو اسم نباتِ الحمّاض.
وذكر الشهرستانيّ أنّ كربلاء معرَّبة من كور بابل، أي (قرى بابليَّة)، وقال الكرمليّ: إنّها مؤلَّفة من كلمتَين: كرب وإل، أي حرم الله. وكانت معروفة قبل الفتح العربيّ لبلاد ما بين النهرَين، وقد ذُكِرَت في كتب التاريخ قبل الفتح. فهي قطعًا ليست لفظة عربيَّة.
فكربلا، إذًا، من القرى القديمة، كبابل وأربيل ونينوى، فلعلّ الاسم بابليٌّ أو آراميٌّ، ثمّ ورثها أمراء المناذرة وسكّان الحيرة بحمايَّة الفرس.
وكانت منطقةً زراعيَّة تُجبَى عنها الثمار، وتنيخ عنها القوافل. يحدُّها شرقًا نهر الفرات ومدينة بابل، فهي على مشارف الباديَّة، ومن الشمال الغربيّ الأنبار، ومن الجنوب الغربيّ الحيرة عاصمة المناذرة.
وهي عبارة عن وهدةٍ فسيحة، محدودة بسلسلةِ تلالٍ ممدودةٍ، وربوات متّصلة من ثلاث جهات، مدخلها الجهة الشرقيَّة.
يقول مصطفى جواد (خريج جامعة السوربون في التاريخ العربي): (إن رجع الأعلام الأعجميَّة إلى أصول عربيَّة كان ديدناً لعلماء اللغة العربيَّة منذ القديم، فقلما اعترفوا بأنَّ علماً من الأعلام أصله أعجمي، دون أسماء الجنس فإنهم اعترفوا بعجمتها وسمّوها (المعرّبات)، لأنَّ الذين يعرفون اللغة الفارسيَّة كثير ولأنهم يدرون أصول المعربات على التحقيق والتأكيد، وكان الذي يُسهّل عليهم اجتيال الأعلام وغيرها إلى اللغة العربيَّة كونها مشابهة وموازنة لكلمات عربيَّة، كما في (كربلا) والكربلة والكربل فهم قالوا بعروبة تلك الأعلام الأعجميَّة ثم حاروا في تخريجها اللغوي فبعثهم ذلك على التكلف كما فعلوا في كربلا وغيرها من الأعلام الأعجميَّة).
فهو يرى أن محاولة ياقوت الحموي وغيرها من المحاولات لتعريب (كربلا) غير مجديَّة ولا يصح الاعتماد عليها: (لأنها من باب الظن والتخمين، والرغبة الجامحة العارمة في إرادة جعل العربيَّة مصدراً لسائر أسماء الأمكنة والبقاع، مع أن موقع كربلاء خارج عن جزيرة العرب، وإن في العراق كثيراً من البلدان ليست أسماؤها عربيَّة كبغداد وصرورا وجوخا وبابل وبعقوبا، وإن التاريخ لم ينص على عروبة اسم (كربلاء) فقد كانت معروفة قبل الفتح العربي للعراق وقبل سكنى العرب هناك وقد ذكرها العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد).
ولها أسماءٌ أخرى ذكرتها المصادر التاريخيَّة: مثل الطفّ أو الطفوف، وطفّ الفرات، أي الشاطئ، ونينوى، والنواويس، وهي مقابر النصارى، والغاضريَّة.