تأسيس حراك سردي فاعل

ثقافة 2024/07/10
...

  بغداد : نوارة محمد

أقام نادي السرد في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق جلسة نقدية لمناقشة الكتب الفائزة في المسابقة التي أعلن عن نتائجها في {يوم الأديب العراقي}.
وكانت الكتب الفائزة هي {عند أطراف القرى} بالمركز الأول لشهد الزبيدي، و{تنورة جينز قصيرة} لمآب عامر في المركز الثاني، و{ضحكات شوبنهاور السعيد} لرأفت عادل بالمركز الثالث قد عدها مهتمون خطوة مؤثرة في المشهد الثقافي وهي تأسيس لحراك سردي فاعل.

في الندوة التي أدارها رئيس نادي السرد الروائي خضير فليح الزيدي وقدمها الناقد الدكتور سمير الخليل بحضور عدد من المثقفين والأدباء قال الزيدي إن: "نادي السرد يُعد أحد أهم الأندية الشبابية التي تهتم بالقراءة الواعية للأدب والثقافة، وهذا ما ينعكس على توافد روادها للتزود بالمعرفة والاستئناس بجلسات الأدب بكل أجناسه".
وتابع: في هذه الجلسة التي اسميتها جلسة واعدي الأدب القصصي ثمة تساؤل يراودني هل هنالك عمر افتراضي للأدب! وشُبان هذه الجلسة جّسدوا الرد الحتمي، وأنا غالبا ما أقول على الأديب أن يترك ظلًا له في حياته، واعتقد أن كُتبهم القصصية ستكون كذلك، في أيامهم القادمات، هؤلاء الشُبان الذين فازوا في مسابقة يوم الأديب العراقي في القصة.
وأضاف الزيدي أن "هذه الجلسة هي جلسة نقدية تقويمية، ونحنُ بحاجة لأن لا يتوقف كُتابنا اليوم عن النتاج الأدبي، ولا يترددوا في ممارسة هذا الفعل الأدبي".
ووصفت القاصة شهد الزبيدي القصة بأنها تتيح لها عرض المواقف الشخصية على العامة بقولها: هي فُرصة لعرض الموقف الخاصّ على العامّة، وهي أيضا دعوة إلى الآخر لأجل ان يرى ما تراه، ما تشعُر به، ما تَرفُضه. وهي بهذا ليست مساحة للتفريغ، بل مساحة للتساؤل بطريقة سَرديّة. فُرصة لعرض المَخبوء امام أعين الناس، ما يخفى في النَفس البشريّة وما يموتُ بصمت وما يحترق بلا نار. إنّها أرض خَصبة تُدفن فيها المآسي وتُسمّد بالسعادات الصغيرة لتُثمرَ شيئاً أكثر من مجرّد حدث عادي مَرّ عبر هذه الحياة المُتكرّرة.  فيما أشارت القاصة والإعلامية مآب عامر إلى أن "القصة هي اجتزاء مُتعمد بقصديّة وسبق اصرار وترصّد لمقطع عرضي من الحياة، ومن ثمّ  تعليبه بدقّة داخل الزمن والمكان ليكون أداة للشك، إذ كلما فُتِحت العلبة ومرت عليه العيون تذكرت إنّها لا تزال في الحياة فهي تعيش وتحيا وتحلم  و تقاوم اللاجدوى وتحب، ولأننا لا يمكن أن نتعلم المشي من دون أن يومئ لنا أحد فقد مررت بعوالم مثل همنغواي وتيشخوف ومحمود تيمور ودوستوفيسكي، وغيرهم الكثير ممن ترك داخلي جزءا من عقله وروح".
وتابعت أن "القصة القصيرة حدث رئيس وكم هائل من المشاعر التي سَتُنقَل من خلال شخصيات قليلة محدودة، ومن الممكن من خلال المكان والزمان أيضاً".
وقالت: أعترف أنني أكتب بعفوية مفرطة عفوية تتطلب مني أن أعيد الجملة الواحدة مرات ومرات فقط لأصل إلى كمال المعنى الذي أريده.. وليس ثمّة تناقض مابين العفوية والتكرار لأنني أريد أن أقول كلّ شيء بأصدق التعابير. ففن القصة يقترب من روتيني الحياتي كما انه رصد لمناطق غير مرئية أو إنها غير قابلة للرصد في الفنون الاخرى.
وأكدت أن "القصة القصيرة تعيش معي بكافة تفاصيلي وأنا على غير المعتاد لا أعاني من شحة الموضوعات لأنني ببساطة أجد في كلّ  شي  قصة، ودائما ما يُذكرني ذلك بحادثة انطوان تيشخوف حين شكا أحدهم له ذات يوم عن قلة الأشياء التي تصلح أن تكون قصة.. فأشار تيشخوف إلى منفضة التبغ.. وقال هذه قصة".
لكن القاص رأفت عادل فقد أكد أن "القصة القصيرة شيء مختلف تماماً أو أنها مثل قبلة في الظلام من شخص غريب، كما يقول ستيفن كينغ، أو أن النساء يردن أن يتحول الحب إلى رواية، فيما يريد الرجال تحويله لقصة قصيرة".
في سياق متصل أشار الناقد الدكتور سمير الخليل في حديثه إلى أن "السرد العراقي في طريقه نحو الازدهار، ووجود هؤلاء الشباب يعكس صورة إيجابية عن البلد، وهذه القُدرات الفردية  تشجع العمل الثقافي والإبداعي الاحترافي في مجالات مختلفة بين شُبان الجيل الجديد".
وأضاف: شعرت أن القصة العراقية بخير من خلال شهد ومآب ورأفت، وهذا تأسيس لبداية فعل ثقافي جاد لهولاء الشباب للانطلاق نحو عالم أكثر حياة وكتابة، والقصة القصيرة اختبار لكل كاتب وتحتاج لرؤية مركزة ورشاقة في الفكرة والكتابة.
وتابع الخليل أن "اهتمام شهد ورأفت بالفانتازيا بدا واضحا من توافر الغرائزية، أما مآب فكان مزيجها الخاص ورؤاها الخاصة جسدت بصمتها الخاصة".
ويعتقد الخليل أن خوض شهد الزبيدي في تجربة كهذه ليس سوى دليلا على وعيها الكتابي ومعرفتها الكافية في التقنيات السردية، فهي تخلق واقع موازٍ للواقع الذي نعيشه وميلها للحداثة في استخدام الادوات السردية وتأثرها بالقصص الغربية بدا واضحا سرعات ما شّرعت في بناء شخصياتها والاحداث والبعد الدلالي للزمن، حيث يشتبك خطابها القصصي مع الحافات من خلال اشتغالها على الزمن النفسي.
وأشاد الخليل بالطريقة السردية التي اعتمدتها مآب عامر في مجموعتها القصصية "تنورة جينز قصيرة" قال: لدى القاصة مظاهر خاصة في التأليف وهي سرعان ما اهتمت بالتفاصيل السردية  واليوميات بمشاهدها الدقيقة، لاسيما الأمكنة وما إلى ذلك عّززت مكانتها في المشهد السردي القصصي.
وأضاف أن "قصص مآب عامر تجسد النساء جزءا اساسيا وهي لم تتطرق للمشكلات التي يواجهها هذا الصنف البشري بصورة نمطية، بل حاولت إيصال صوت المرأة التي تبحث عن التغيير وخلقت لنا بانوراما سردية لملاحقة المرأة ولم تذكر أسماء شخصياتها.
وأكد أن "اهتمامها أيضا بالصراع الوجودي والسيكولوجي عند المرأة كان ملفتا للانتباه بمجمل قصصها التي تصنف ضمن القصص الشخصية، بالإضافة إلى ميلها لتصوير تفصيلات المشاهد وفيها يحضر الجانب السينمائي.  
وعاد الخليل للقول: ولرأفت عادل، نكتهه الخاصة وله أسلوبه بالتنوع السردي بين القصة القصيرة والقصيرة جداً، وهذا التنوع في السرد والمهيمن هو السرد الذاتي ويضعنا بداية من العنوان إزاء غرائبية واضحة، وهو عنوان خارج المتن وأراد من خلاله أن يوصل لنا الوجه الآخر لشوبنهاور. وأضاف أن "حضوره لم يكن واقعياً في القصص بل كان نفسياً مع المتلقي وهو يميل للكوميديا السوداء ويهتم بالمهمل والمسكوت عنه في اليوميات، وهو يلتقط جزئيات مهملة ويجعلها بؤرة درامية مهمة وهو يضخم صورة الفوبيا بوضوح".