كواليس لقائي مع صاحب {رسالة إلى الله}

ثقافة 2024/07/22
...

علي حمود الحسن

على الرغم من زيارة المخرج الإيراني المعروف مجيد مجيدي إلى العاصمة بغداد مرات عديدة، إلا أني لم أحظ بلقائه، فظل هاجساً يراودني لأسباب منها؛ اعجابي بالسينما الإيرانية وصناعها عموماً، وولعي بأفلام المخرج والمؤلف الإيراني مجيد مجيدي خصوصاً، وحينما أخبرتني المترجمة الإيرانية سنا ناظري: "أن من الصعب الحصول على موعد مع مجيدي، لانشغاله المستمر وسفره" رداً على تساؤلي لها عن مدى إمكانية مقابلة صاحب فيلم " أطفال السماء"؟، ما جعل احتمال لقائه ومحاورته بعيد المنال، كان ذلك يوم الاثنين الموافق 11-6-2024، إلا أن السيدة ناظري أخبرتني في اليوم التالي أن الموافقة حصلت وتحدد موعد الساعة 11 صباحاً في مكتب المخرج وسط طهران، لم أصدق الخبر وحزمت حقيبتي وكنت هنالك في الموعد المقرر، استقبلنا الرجل بمكتبه الجميل والأنيق والبسيط، كان متواضعاً كريماً عاشقاً للعراق وأهله، وكم تأسفت لأني لا أجيد اللغة الفارسية، كي أحاوره حواراً تفاعلياً، إذ قيدتني الأسئلة التي حضرتها، على الرغم من نباهة وقدرة المترجمة ناظري على الحفاظ على دقة المعنى إن كان صريحاً أو
مضمراً.
على الرغم من كوني كتبت عن معظم أفلامه، لأني اكتشفت ثراء فكر هذا المخرج وقدرته العجيبة على توظيف الأفكار الإنسانية الكبرى في قصص وحكايات واقعية على قدر كبير من البساطة، أبداً لم يتعال على ثقافته وهويته وعقيدته، فهو يقول بيقين إن الصورة النمطية التي رسمها الغرب للثقافة والديمقراطية والاقتصاد، لا تصلح لمجتمعاتنا، وهي مغتربة عن ثقافتنا، لذا صنعنا أفلامنا وفقاً لخصوصيتنا.
صاحب فيلم "باران" الذي اقتفى فيه أثر طفلة من لاجئي أفغانستان الذين يعيشون حياة عصيبة، تتنكر بزي ولد لتعيل أسرتها بعد أن فقد أبوها القدرة على العمل، يقول كلما اقتربنا من معاناة الناس بصدق كلما كان ما نصنعه ذا جدوى،  ويستطرد : "معظم أبناء جيلي الذين قدموا أعمالهم، بعد الثورة كسروا الصور التي كرستها هوليوود عن الأفلام الضاجة بالجنس والحركة، فمعظم أفلامنا لا تتحدث عن كل هذه " البهارات والمطيبات"، فيلمي " أطفال الشمس" نافس على الأوسكار وكاد أن يخطفها، لولا منافسة شرسة مع فيلم "الحياة حلوة" وقد أثر كثيراً في الجمهور والنقاد وصناع السينما، كان بسيطاً واقعياً معجوناً بهويتنا.
 وفي خضم نقاشنا عن السينما العراقية بعد أن سألته إن كان شاهد أفلامنا؟ تحدث مجيد مجيدي عن خلل لاحظه في ابتكار وجهة نظر غير تقليدية في التعبير عن القصص التي نخرج أفلامنا عنها، وأضاف أن الأحداث التي عصفت بهذا الشعب الطيب لم يستطع صناع السينما التقاطها والتعبير عنها، وإلا أيعقل أن تمر جريمة مثل "سبايكر"، التي تُذّكر بالمجازر الكبرى في التاريخ من دون  توثيقها سينمائياً، أو حتى روائياً أو تشكيلياً، لا سيما أن صناع السينما العراقيين يمتلكون لحظة تاريخية ربما لا تتكرر من ناحية حرية التعبير، أو حتى الدعم.
على الرغم من مرور ثلاث ساعات على حوارنا، إلا أنني حسبتها لحظات، في حضرة هذا المخرج المبتكر.