سيميائيَّة فن الكاريكاتير

ثقافة 2024/07/23
...

صدر حديثًا عن دار دجلة ناشرون وموزعون في الأردن، كتاب "محطات سيميائيّة في فن الكاريكاتير الإعلامي الرقمي" للباحثة مريم غسان المصري. الكتاب يجمع بين جانبي فن الكاريكاتير، والإعلام في العصر الحديث؛ لأنهما يتفقان في أداء رسالتيهما بتوعية المجتمع في مختلف المشكلات والأزمات سواءً كانت سياسية، أو دينية، أو اقتصادية.. 

إلخ. 

إذ يتعالق هدف الإعلام مع هدف فن الكاريكاتير في أن الإعلام يعمل على التعريف بقضايا العصر وبمشكلاته، وكيفية معالجة هذه القضايا والتعامل معها بغرض التنوير، والتثقيف، ونشر أخبار ومعلومات تناسب عقول الناس، فترفع من مستواهم، وتنشر تعاونهم مع نظام معين من أجل مصلحة ذلك النظام.

تعتمد الباحثة في كتابها على الصورة الكاريكاتيرية الإعلاميّة البلاغيّة بوصفها انزياحات تعبيرية تؤثر في المتلقي؛ لأنّها تحمل شحنات إيحائيّة بعباراتها، وألوانها، وخطوطها، وأشكالها؛ إذ شكلت الصورة فضاءً مفتوحًا على كل التأويلات، فهي تقوم على الإغراء والإغواء، تتم عبر توليد الدلالات، تجعل المتلقي يفكك شفراتها من خلال وضعه شبكة منهجية معرفية ثقافية متكئًا على كفاءته التأويلية، وقدرته.

وجاء تقسيم الباحثة لكتابها في ثلاثة فصول وتمهيد؛ إذ عرضت في التمهيد ظهور فن الكاريكاتير وتطوره، والذي شمل الحديث عن تأصيل الفن في الهوية التاريخيّة، ومفهوم الفن الكاريكاتيري، ونشأة الفن الكاريكاتيري، وعلاقة الكاريكاتير بالإعلام الرقمي، وتفاعل المتلقي بجينات فن الكاريكاتير 

الدلالية.

ورصدت في الفصل الأول المرجعيات الثقافية في صورة الكاريكاتير خاصة المرجعيات: الدينيّة، والأدبيّة، والشعبيّة "التراثيّة"، والتاريخيّة، والتقنية، وتشكل هذه المرجعيات جينات لغويّة تسهم في رصد البؤر الدلاليّة، وبيان جمالية التناص الأسلوبيّة بين نص حاضر ونص غائب "مضمر" للصورة؛ إذ تسهم العلاقة بين النصوص اللفظيّة اللغويّة في خلق جينات دلاليّة تمتزج مع الفضاء البصري للصورة الكاريكاتيريّة؛ لأن العلاقة بين النصوص تقوم على الامتصاص والتحوير بما يخدم فكرة راسمها، وتكشف الدراسة عن الجينات الرمزيّة التي تتخلق في فضاء الصور الكاريكاتيرية يجسّده نص مذاب "غائب" تدل عليه عناقيد الصورة الرمزيّة وربط ذلك بسياق الواقع الحاضر مع واقع ماضٍ يعاينه متلقِ 

الصورة. 

وخصصت الباحثة المصري الفصل الثاني حول تجليات حضور المرأة في صور الكاريكاتير الرقميّة بوصفها رمزًا يعبر عن المقاومة، والصمود، والثبات؛ للكشف عن الحقول الستة التي توزعت بين مباحث الدراسة، فالمبحث الأول يرصد الحقل الاجتماعي، والمبحث الثاني: الحقل السياسي "الوطني"، والمبحث الثالث: الحقل الديني، والمبحث الرابع: الحقل التاريخي، والمبحث الخامس: الحقل التعليمي، والحقل السادس: الحقل الفكاهي؛ لأنّ قضايا المرأة أضحت باعثًا مهمًا وشرارةً للدفاع عنها انطلاقًا من النظرة الدونيّة والسلبيّة الموجهة إليها في مجتمعاتنا العربيّة، وتمييز الرجل في هذه المجتمعات عن المرأة في كثير من جوانب الحياة المختلفة التعليميّة، والدينيّة، والاجتماعيّة وغيرها؛ إذ تتعرّض المرأة لمشكلات عدة من الممكن أن تواجهها في مجتمعها كالتنمّر، والتحرّش، والعنف، وزواج 

القاصرات.

وعاينت في الفصل الثالث حزمة من الرموز الموظفة في صور الكاريكاتير، إذ توضح عددًا من الأيقونات الرمزيَّة المشتركة بين فضاء الصور التي احتوتها في مباحثه العشرة، وهي: الأفعى، وقنينة الحليب، والبحر، والقلم، والأزهار والورود، والألعاب، وهلال رمضان، وخارطة فلسطين، والمفتاح، والساعة بوصفها رموزًا مبنية على أسس جماليّة وفنيّة فكريّة تشير إلى مضمون معين، وتأثيرها الخاص في طريقة إنتاج المعنى 

داخل الرسوم الكاريكاتيرية المختلفة، فالرمز هو من الركائز المهمة التي تبنى عليها الصورة الكاريكاتيريّة، وقدرته على التأثير في متلقيها. على فهم علاماتها البصريّة واللغويّــة؛ لاصطيـاد عناقيــدها 

الدلاليّة.