مستقبل العراق بعد الانتخابات

العراق 2021/09/20
...

ابراهيم العبادي
يحثّ الكثير من القادة السياسيين والمسؤولين التنفيذيين في العراق جمهور الناخبين على المشاركة الواسعة في الانتخابات، فبدونها لن يحصل تغيير طفيف أو متوسط في الخريطة السياسيَّة داخل مجلس النواب، ولن تتزحزح قوى (تقليدية) عن مواقعها، بحكم قدرتها على التحشيد وضبط جمهورها الانتخابي لاعادة انتخاب مرشحيها.
المعركة الاهم في العراق ستكون في الكيفية التي يستجيب فيها الجمهور للحدث الانتخابي، فالمتوقع أنَّ تغييرا محسوسا لن يحصل في (احجام) الكتل الانتخابية مقارنة بانتخابات عام 2018، وستحافظ القوى التقليدية المتنافسة على وزنها السياسي مع تراجع لبعض الكتل الصغيرة، فابرز ميزات التنظيمات والتشكيلات السياسية العراقية انها تعيش الحالة اللبنانية بكل تعقيداتها، فما من جماعة سياسية الا ولها ذراع عسكري مشرعن بغطاء حكومي، وبحكم الامر الواقع.
هذه القوى تعتمد على جمهور تكوّن وعيه السياسي بمقولة مقاومة مشروع الاحتلال ومقاومة مشروع الارهاب، بمعنى أنَّ جوهر وجودها يستند إلى الضد النوعي، فمتى ما زال خطر الارهاب الذي هو ناتج من نواتج مشروع الاحتلال، يومذاك ستتغير الستراتيجية والتكتيك، وتتحول هذه القوى إلى احزاب سياسية، تفكر بالدولة واستحقاقات وشروط نموها وتطورها. هذا الوجود السياسي يستحوذ على حيز مهم داخل الوسط الشيعي، وله ادواته التنظيمية والاعلامية الفاعلة، اما الاحزاب التي ترفع شعار بناء الدولة وتريد اعادة قوتها وهيبتها، فانها لن تجد جمهورا كبيرا يصوت لها، فهي لا تفصح بما فيه الكفاية عمن يهدد الدولة ويحول دون بنائها وعودة قوتها. فعليها أن تضع خريطة طريق واضحة لتخاطب جمهورا غير جمهور الدفاع والثورة والمقاومة، اما من يرفع شعار الاصلاح السياسي والاقتصادي، فانه يفتقد لخريطة طريق اصلاحية واضحة الخطوات والاهداف، فهو غير قادر على اقناع  فئات جديدة خارج جمهوره. 
مصير الانتخابات ودورها في تغيير الحال المشبع بالازمات، رهين إلى حد كبير بصوت الناخب الشيعي الذي انشطر بين قوى ترفع شعار التغيير انطلاقا من منصة تشرين ومسالكها المتشعبة، والقوى المضادة لها او المتعاطفة مع بعض شعاراتها، وهي القوى التي تسيدت مشهد الدولة طيلة سني ما بعد 2003.
يمكن القول إنَّ التغيير النسبي منوط بمشاركة جيل من الناخبين مقتنع بالمشاركة ومصر على احداث التغيير، وهو جيل لم يتبلور سياسيا وتنظيميا بعد، بل إنَّ قصورا كبيرا في الوعي السياسي يعطل هذا التغيير بسبب سيادة اوهام سياسية كثيرة، من اهمها اليأس من التغيير نفسه، وعدم الثقة بالنفس وبالعملية الانتخابية، وانتظار تغيّر الاحوال بطريقة لامرئية او غيبية او غير ذلك، عليه لا يمكن القول إنَّ انتخابات العراق عام 2021 ستكون تاريخية ومصيرية، كما أنها لن تكون نافذة للخروج من حالة (التوازن السياسي) الذي يعطل السير بأحد الخيارات المطروحة، وهو ما سيعيد انتاج ازمات العراق السياسية والامنية والاجتماعية نتيجة للمعضلة المركزية، معضلة بناء دولة الخدمات والمنجزات، فما دام الانقسام يعطل الارادة الوطنية في مقاربة الاولويات والمشكلات بوعي جديد، فإن التغيير المنشود لن يكون مرئيا في هذه المرحلة.