زبائنيّة

العراق 2022/02/09
...

أحمد عبد الحسين
خُلقتْ العمليةُ السياسيّةُ في العراق على مقاساتِ زعماءِ الكُتل الكبارِ وبشروطهم ووفقاً للكيفيّة التي تتيح لسلطانهم أن يتأبّد. وإذا أردنا إحصاء الرابحين والخاسرين في كلّ هذه المنعرجات التي مررنا بها منذ 2003 فإنّ هؤلاء الزعماء الكبار ورعاياهم في حلقاتهم الضيّقة هم وحدهم الرابحون في مشهد عراقيّ قاتمٍ مليء بالخسران.
بديهيٌّ أن تتقزّمَ الدولة ومؤسساتها في ترسيمة كهذه لتلائم شروطَ الزعماء، فأصبحتْ الدولةُ على أيديهم مؤسسةً ربحية هدفها الأوحد ضمانُ مصادر المال والسلطة والنفوذ لهم ولأتباعهم، من خلال السيطرة على مقدّراتها باحتكار التوظيف والمساعدات، وكلُّ ذلك كان يتمُّ محاصصةً أو توافقاً في شغلٍ هو أقرب إلى اتفاقات "الجنتلمان" المافيويّ منه إلى العمل السياسيّ.
يعرّفُ قاموس أوكسفورد "الزبائنية" بأنها نظام سياسيّ قائم على انعدام التماثل والتكافؤ في السلطة بين الرعاة والعملاء. حيث الرعاةُ يعتمدون على خضوع عملائهم مقابل فوائد لاستمرار الدعم السياسي. أليس هذا هو عين ما يحصل في العراق حيث كلُّ ما يحدث إنما يحدث في غياب الدولة ولا يتقوّم إلا بإضعافها وجعلها مصدراً لثروة الزعيم الذي يستجلب بها أنصاراً وأتباعاً ويديم خضوعهم. ولذا كلّ حديث عن تغليب مصلحة الدولة أو إعادة هيبتها أو تقويتها مجرد رميم كلام وهذر لا معنى له. لأنّ الزبائنية والدولة لا تلتقيان. ومن يفقد حضوره في مؤسسات الدولة "بخسارته الانتخابات مثلاً" سيفقد زبائنه التقليديين والزبائن المحتملين الذين تأتي بهم أموال الدولة.
منذ عقدين كان يجري تصغير الدولة لتكون خزانة مال لبضعة رعاةٍ يوزعونها بين رعيتهم كما يرغبون. 
لكنّ الجيل الجديد أدرك هذا، وأدرك معه أنْ لا قيام للدولة إلا بعد انهيار هذه المنظومة "الزبائنية" التي هي أساس كل فساد وخراب.