ديستوبيا المرأة في منظور الرجل

ثقافة 2023/02/01
...

   عبد الغفار العطوي 



سنعالج المصطلحات  المتعلقة بالوعي النفسي للمرأة ، و نختار بعضها ، لارتباطها بالصورة القاسية  الذكورية وهي  

 العقدة البوفارية – عقدة ميديا – متلازمة ماري إنطوانيت الخ  التي تشكل عالم المرأة  بمنظور الرجل ، من حيث كيف استساغ الرجل تكوين صورة الحياة النفسية و الاجتماعية التي تعيش في كنفها ؟ و ما هو موقفها  في الفلسفة النسوية التي اقتحمت المرأة ميدانها ، و جادلت الرجل حول ما هي مسوِّغاته في وصف عالم المرأة التخيلي بهذه الدستوبيا  ؟ 

لا سيما أن الدراسات في مجال الفلسفة  و علم النفس متاحة                          

فعلم النفس الذي شهد تطوراً ملحوظاً  بمختلف تياراته و مدارسه و نظرياته  في القرنين العشرين و الواحد و العشرين ، مازال خاضعاً للرجل ، في نظرته  التقليدية لعلاقته بالمرأة  كالفلسفة التي تعاني هي الأخرى من  تدخله ، خاصة  في الجانب الاجتماعي   المرتبط بما يطلق عليه  علم النفس الاجتماعي  للجندر الذي ركز على ضرورة فهمه  

سؤال هل ثمة تاريخ  مستقل للمساء غامض على مدارك الرجل ؟

الموروث  التاريخي للإنسانية يقول نعم و لا ، و ينشطر  الباحثون  و الباحثات إلى فريقين ، بين القائل بأن تاريخ المرأة هو ليس تاريخ الرجل ، ومن القائل بنفي أي تاريخ للمرأة  بمعزل عن التاريخ العام  ، بيد أن الفلسفة النسوية عالجت طرفاً من هذا الموضوع، من حيث أن القول مادامت تتصل الذكورية و الأبوية  حتى يومنا  هذا بدواع و مسوغات  من الاعتراف  بالوجود الأنثوي (1) و هذا بدوره يبيّن الفارق بينهما ، في نظر أحدهما للآخر ، فإن علينا الخوض في تاريخ العلاقات التي  اعتمدها الرجل و المرأة معاً في تشكيل الهيمنة و الحميمية بين النوعين، فبالتأكيد إنها هي التي أفرزت هيمنة الرجل شبه المطلقة على تلك العلاقات ، و جعلت المرأة أن تعمل  في المحافظة على قوة  معالجتها للحميمية للوصول إلى التوازن بين النوعين ، و تتلخص  في فهم الجندر ، و أسس التعامل المشترك في ميادين الحياة  بين المرأة و الرجل (2) بيد أن  عملية الهيمنة تبدو متأثرة  بتاريخ الرجل الطويل  ، مما  يعني  بالنسبة للنساء ، هنا أن تتضح الرؤية  من استدعاء أُنسوية  للخطاب الفلسفي  و السياسي  لغرض تجاوز محن الذكورية ، و مشكلة الجنس  و الجنوسة  ، و تحقيق كل اشتراطات  العدالة في الالتزام  تجاه الآخر الذكوري (3) لهذا تؤسس الفلسفة النسوية  للمرأة  عالماً دستوبياً على أنقاض يوتوبيا الرجل ، و يقوم الفكر السياسي  النسوي بإنشاء قطيعة  مفاهيمية يقوض بها  البنى التي رسختها المجتمعات الأبوية  التي  جعلت المرأة  بسبب  نوعها البايولوجي  تحتل  دائماً و ظلماً  مكانة أدنى من الرجل ( 4) من هنا  بدت  دستوبيا عالم المرأة  تصطبغ بسيل من المصطلحات النفسية  المستمدة من ظواهر مختلفة تاريخية ، و أدبية  و شبقية تضع كمعايير لوصف حالات مرضية  تصيب بعض النساء ، لكن  تعميمها كمصطحات  يؤشر نفسياً و فلسفياً   ببروز أزمة مستفحلة  في تاريخ علم النفس النسوي  غير مؤكد

العقدة البوفارية : و هي تنسب إلى شخصية مدام بوفاري  بطلة رواية غوستاف فلوبير 

«1855 - 1925»  الذي رفض الشهرة ، و تمت محاكمته  على هذه الرواية ، و البطلة ( مدام بوفاري) أصبحت تعني في علم النفس  الشخصية المهووسة بالعاطفة و الشبق و الانتهاك الإيروسي  بتعبير جورج بتاي، مما عرض مفهوم الجندر  لسوء الفهم ، و ارتبطت بعض الحالات  الشبقية للنساء العصابيات بعقدة البوفارية  التي لا تكتفي بالعدد المهول من العشاق ، و تمثل هذه العقدة الضربة القاسية للمرأة  في تاريخها المخفي ،   و تنعت حياتها المخملية بالمحرّمات ،  و العقدة الثانية  هي أزمة ميديا  التي تستخدم بكثرة  في الهجوم على النساء اللواتي يعانين من سيطرة الانتقام  عليهن في تجربة الخيانة الزوجية ، و لعل الباحثة  السويدية ( غودرون اكستراند) التي كتبت كتاباً تحت عنوان (غضب ميديا وعقدة النساء المهجورات) (5) بينت  أن ما يترتب  على تلك الخيانة من استفحال حالة الانتقام نتيجة  المعاناة النفسية  لأوضاع اجتماعية  ، و غضب المرأة  ضد مجتمع ذكوري و قيمه الاستبدادية المهينة للمرأة ، و في الأصل إن ميديا  هي مسرحية كتبها الكاتب اليوناني  يوربيدس  و قد عكست المسرحية  معاناة البطلة (ميديا) عندما هجرها زوجها (جاسون) مع وليديها الصغيرين ، أما متلازمة ماري انطوانيت، و هي زوجة الملك الفرنسي لويس السادس عشر (1755-193) و قطع رأسها بعد قيام  الثورة الفرنسية ، و اكتسبت مصطلح المتلازمة  ، و هي تحول  مفاجئ للون الشعر إلى اللون  الأبيض ، و كان الحدث  الذي على  أثره  أُطلق  على هذا المرض ذلك الاسم،  ، هذه بعض المصطلحات التي رسخها علم النفس  الذي يهيمن عليه  الرجل ، جعل  من عالم المرأة  كابوساً مزرياً ، لذا تكافح المرأة  في البحث عن تاريخها الخفي الذي استطاع الرجل إخفاءه 

إحالات 

1 -الاختلاف الجنسي و السلطة  سهاد حميد ذياب  دار قناديل العراق ط1 2018 ص 17

2 - علم النفس  الاجتماعي للجندر   لوري  رودمان – بيتلر جليكك  ترجمة راقية  الددويك المركر القومي للترجمة القاهرة  2018 ص 419 

3 -  الاختلالاف الجنسي  و السلطة  مصدر سابق ص 29 

4 - المصدر نفسه ص 34 

5 - السرد النسوي  العربي  عبد الرحيم وهابي  دار كنوز المعرفة عمان ط22016 

ص 91