جمال الوجوه واندفاع التجريب

ثقافة 2023/05/28
...

  خضير الزيدي 


ثمة أكثر من مسعى جمالي يضعنا عنده الفنان علي رضا سعيد في إنجازه لأعمال فنيَّة تتخذ من البورتريه وحدة موضوعيَّة لها، وهذا ما حدا به أن يفكر بإقامة معرض يجمع فيه العديد من تلك الرسومات التي تتغنى بأسماء أدبيَّة وفكريَّة وفنيَّة معروفة في الشأن الإبداعي العراقي والعربي. 

المعرض الذي أقيم في قاعة الأورفلي بمدينة عمان في الخامس عشر من مايو ايار حتى الأول من  حزيران 2023، يشكل انعطافة مهمة في العودة إلى عوالم فن البورتريه. 

ومن خلال رؤيتنا لمنجزه الأخير تبيّن لنا أن قدرته عالية وإمكانياته تنطوي على أسلوب مميز وإنجاز جمالي يُبيّن لنا مدى أهمية اسمه في رسم هذا الحقل من الفن الذي مرَّ عليه سنوات، فما الذي يدعوه ليستعيد فناً قديماً بروح ثقافية ومهارة عالية ودقة في الخطوط والتعبير، لتبدو نزعة الفن عنده غير محددة، فهو يحيط بتعابير الوجه ويذهب أبعد من ذلك إلى الغور في خلجات الإنسان وسيكون سعيه الفني مرتكزاً على قيم جماليَّة غايتها أن توضح مساحة الانتقال من ملامح جامدة في الوجه إلى تحول وتأمل بحيث تبدو لنا تقاسيم الوجه سواء بخشونتها او بملمس ناعم أنّها ترتهن لتحولات بنائيَّة يُعيرها أهمية من حيث المظهر الأخير. 

وهنا لا تخلو فكرة البورتريه من تلاعب وضوابط فعلية لعل أهمها ما تحمله من شحنة تعبيريّة صارخة في رسم أدق تفاصيل الوجه متمسكا بقلم الرصاص وبلونين هما الأبيض والأسود وما يحيط بينهما من تدرّجات لونيَّة وما تبتكره الخطوط من طابع الوضوح والدقة وتوليد شحنات تعبيريَّة لا نجد غرابة في إبداعها لأنّه خبر الرسم وأجاده منذ زمن بعيد وتفتحت رؤيته وذائقته على إحياء رسالة فن تعرف مدى أهمية الوحدات الصوريَّة والابتعاد عن العشوائيَّة في الرسم ليتحقق عبر معارض سابقة إنجاز فن تعبيري يضم تنويعات تحافظ على الأسلوب والخطاب وتحتمل أكثر من قراءة حينما نتأمل رصانة تكويناته. 

في معرض البورتريهات حمل فنه نسقاً ثابتاً، فكانت رسوماته تأتي بقوة الخط وتلقائية التعبير، وعادة ما تكون أقرب للشعور الذي يبجل من تلك الشخصيات التي رسمها اعتمادا على قوة مهارته وتوثيق السمة الشعوريَّة بما يجعلها لذة رسم وأسلوباً مميزاً وتكفينا رؤية الأعمال هذه أن نشير إلى ما يهز يقيننا بأنَّ علي رضا سعيد يكثّف من جمال منجزه في فن البورتريه ليجعل ملامح الوجوه وتقاسيمها وخطوطها وتعرّجات التجاعيد والملامح تنوعاً لأغراض ذهنيَّة وتعبيريَّة صارخة أنّه ملمّ بأدقّ تفاصيل الوجه وبعيداً عن تعقيدات لا تبدو فيها المقارنة طبيعيَّة فكل ما ينتج ويرسم ويعوّل عليه في هذه المجموعة من الرسومات لن نتغاضى عن إبداعه وبراعته. 

وسنشير لقوة هذا المعرض لما يحمله من لحظة نجاح وتشكل خاصتين انطلاقا من ممكنات صاحب المعرض وتطبيقاته المدهشة في قلم الرصاص وما توزعه طريقة الانشاء من تفرّد تعبيري وجمالي يحافظ فيه على أسلوب مرهف في الخيال وطريقة بنائيَّة غاية في التعبير.. هوية هذا المعرض أنّها أقرب للتعبير البسيط والبعيد عن الترهّلات، فما تراه العين راسخ في الذاكرة والمعرفة ولا يوجد إلا هاجس التدفق الشعوري في الرسم مع الحفاظ على عمق الدلالة ومواجهة البياض بقدرة ودراية بما سينجز فوق ورقة الرسم والمهم هنا أن يقيننا بأن هذا الفنان حمل مبادئ رسمه وارث أسلافه بعيداً عن المزاج الغرائبي في الفن، بل حافظ على هوية تخصّه كأنّه لم يخطط للهزيمة لاعتقاده بأن النجاح حليفه ولكن كيف نشأ هذا الاعتقاد، وعلى ماذا اعتمد من يقينيات؟.

يدرك علي رضا سعيد أنّ الفن يحمل ترجمة الأحاسيس وهو مستقل عن باقي الفنون الإنسانيّة، ويعي بأنَّ إقامة العديد من المعارض للفنانين أصبحت أقرب للتكرار في الوحدات الصوريّة وطريقة الأسلوب الذي يتنقل بين هذا الفنان أو ذاك، لكنه أصر هذه المرة أن يغير من وجهة فنّه نحو (البورتريه) لما يوفره اللعب في الرسم بهذا النمط من مجريات ومداخل تأتي بإظهار التعبير بعيدا عن التجاذبات، وكأنّه يقول هنا للآخرين من يقدم رهانه معي؟ من يثبت مهارته؟ من يستطيع أن يسرد لنا ملامح وجوه الآخرين بكل دقة وتأنٍ في الحقيقة أنّه يفهم مدى أهمية اسمه والثقة بقلم رصاصه قبل فرشاته، وإلا ما كان الرسم الذي رأيناه بكل هذه الدهشة حاضراً أمامنا ومحافظا على خصائصه وما يوفره من مناخ تعبيري يجعل الإعجاب به قائماً.