زيفيريللي والبريكان ونمرة شكسبير المتوحشة

الصفحة الاخيرة 2019/06/18
...

علي حمود الحسن
مثلما أراد، غادر كوكبنا الارضي القلق، المخرج السينمائي والمسرحي فرانكو زيفيريللي، السبت الماضي في مدينة روما، التي أحبها وشغف بمعالمها، عن عمر ناهز الـ 96عاماً، قدم خلالها 24 فيلماً سينمائياً، وعشرات المسرحيات والاستعراضات، فضلاً عن مئات الساعات التلفزيونية، منها:" يسوع الناصري".
ولد زيفيريللي في فلورنسا عام 1912 وتخرج من كليتها للفنون، ثم رحل الى روما وعمل مصمماً في أحد مسارحها  عارض موسوليني وارتقى الجبل محارباً، تتلمذ على يدي مخرج إيطاليا الكبير لوكينو فسكونتي وعمل مساعداً له في فيلمه "الأرض تهتز"، متأثراً بأسلوبه الباحث عن روح الجمال في السينما الواقعية الإيطالية الجديدة، فانغمر في اخراج أفلام تستمد رؤاها من محنة الفرد في عالمنا المضطرب، شغف بمسرح شكسبير ووقع في غواية لغته، فعمل على افلمة عدد من مسرحياته الشهيرة، ابرزها: "رومو  وجوليت " ، و"عطيل "  و"ترويض النمرة" خاضعاً لشروط هذا الوسيط الساحر، فهو يؤكد بحسب حوار ترجمه امين صالح على أن انزياح وسيط ابداعي كالمسرح والرواية  إلى وسيط هائل كالسينما، عليه أن يقبل ويسلّم بالقوانين الخاصة به، بالتالي فإن الاعداد أمر يتعذّر اجتنابه، وضرورة لا أحد يستطيع الإفلات منها"، هذه الرؤية المتبصرة قادت صاحب" شاي مع موسوليني" الى النجاح والشهرة، فانهالت عليه عروض هوليوود ومثل في أفلامه نجوم كبار على شاكلة ريتشارد بيرتون واليزابيث تايلور، ثمة أفلام أخرى اخرجها وحققت نجاحاً وانتشاراً، على شاكلة "الحب اللانهائي" (1982)، و"جين آير"(1996)، و"ماريا كلاس"(1988)، و"المهرج"(1982).
أهتم جمهور السينما العراقي بمشاهدة الأفلام الإيطالية واحبوا ابطالها واستهوتهم أساليب مخرجيها، الذين غرفوا من الواقع ونقلوا بؤسه، فحفظوا أسماءهم وراحوا يتتبعون أعمالهم، التي كانت تعرض في سينمات بغداد ونواديها الثقافية الباذخة، فرددوا أسماء دي سيكا وروسوليني وانطونيو ني وفليني وغيرهم، هذا الحضور اللافت للسينما الإيطالية، جاء نتيجة لمقاطعة الأفلام الأميركية لأسباب سياسية، ما فتح الابواب لاستيراد النتاج السينمائي الإيطالي والفرنسي والاوروبي الشرقي، وقد وقعت لي قصة طريفة مع احد أفلام زيفيريللي المعنون بـ"ترويض الشرسة" المقتبس عن مسرحية لشكسبير بذات الاسم، يومذاك كنت عسكرياً واعمل على كتابة سيناريو عن السياب، فأردت الاتصال بالشاعر البصري الراحل محمود البريكان ولم افلح  وفشلت كل المحاولات لتحقيق اللقاء،  فالبريكان عصي ولا يفتح ابوابه الا صفوة مختارة، ولأني اعرف ذائقته المعرفية العالية، تأبطت عدداً نادراً من مجلة "فنون" المصرية الرصينة،  وكانت تشغل غلافها الأول، صورة لأجمل قبلة في تاريخ السينما، مأخوذة من مشهد  فيلم "ترويض النمرة "  وبفراستي ايقنت ان هذه المجلة ستكون السهم الذي يصيب كعب اخيل، ذهبت الى معهد المعلمين، حيث يدرس البريكان اللغة العربية، انتظرته امام غرفة الدرس بعد ان استأذنت  الإدارة، انهى حصته وخرج من صفه ناحلاً ساهماً مهيباً، عرفته بنفسي  واخبرته عن رغبتي بالحصول على بعض المعلومات عن السياب، من اجل مشروع  فيلم عن السياب، اعتذر بأدب جم عن تنفيذ طلبي، وحركت الجريدة بطريقة لفتت انتباهه، وفعلاً ما ان رآها حتى طلب مني تصفحها ، وتأمل كثيراً في الصورة التي يُقبل فيها ريتشار بيرتون اليزابيث تايلور، فحصل اللقاء وخرجنا معاً، وانا اترحم على  قبلة تايلور 
و بيرتون.