علي عبدالقادر
بلور مسلسل “شلع قلع” المتداول الشعبي، في إنموذج درامي متكامل الاركان، بشكل قياسي، إنطلاقاً من ترجمة الدعوة في قناعة راسخة لدى المتلقي، استلزم من المخرج سامر حكمت، أربعة نجوم وقصصاً يكتبها مؤلفون محترفو سيناريو وتمثيل وإخراج.
جمال فتان ذو وجه صبوح، أطلت به شيماء رعد، من خلال شخصيات عدة، أدتها مع اياد راضي، في المسلسل، الذي أخرجه سامر حكمت، وتلك هي وسائل توصيل المعنى الاعمق لأي طرح من قبيل “شلع قلع” كنوع من اجتماعيات السياسة.المسلسل من نوع الـ “سيت كوم – قصص منفصلة” يربطها، الابطال الرئيسون، ومن حولهم ممثلون ثانويون، تتغير أدوارهم ضمن سياق التمفصل المحوري، حول الثيمة الاساس، وهي عائلتان اثنتان.. تلكما العائلتان اللتان أجاد المخرج سامر حكمت، توظيفهما بخدمة رؤى فنية عميقة ستشكل تطوراً نوعياً في مسيرة الدراما العراقية، التي تعاني أعباءً انتهت بتوقفها تماماً... جاء سامر، برؤية إخراجية، اعتمدت تلقائية الممثلين؛ استناداً الى القاعدة المهنية الذهبية، التي تقضي بأن المخرج هو الذي يستقصي إمكانات الممثل، ويتوهج بها. وظف سامر قدرات الفنان إياد راضي، بذكاء إخراجي متقدم، متحكماً بانفعالاته وتنقلات وحركة الكاميرا، بشكل لم تألفه الدراما العراقية. دراية عميقة، في معالجة النص، من قبل مخرج فاق عمره إبداعاً، تلاقفته الدراما، على عادتها في البحث عن أية إبرة في كومة قش.. تلتقطها بمغناطيس من التشجيع وبذل العطاء باذخ الثراء، من حيث تأمين ظروف إنتاجية
مثلى.“شلع قلع” كوميديا واقعية، تحمل في طياتها مفارقات كوميدية، عالية المعاني، تطرحها بجرأة تجلت في الحلقات كافة، من خلال حوار سياسي هادئ لا تحامل فيه، قدر ما هو تشخيص للمشاكل، واقتراح حلول إيجابية، ترتقي بالراكس في المعاناة الى مصاف الايجاب.. وتلك هي مهمة
الفنون... ففي حلقة “بيان رقم 1” بيئة بغدادية تنهل من واقعية “تحت موس الحلاق” من دون استنساخ، إنما تحرك في فضاءات متناظرة بندية، تعطي إحتراماً متبادلاً بين الماضي المعتق والمستقبل المفتوح، على مفردات الحمام والاسطة والصانع، يجمعهما أداء الممثلين التلقائي المشوق. الاستخدام المدروس للموسيقى التصويرية، من دون ان تؤثر في سمع المشاهدين للحوار، كما دأبت عليه أعمال كثيرة، في هذه المرحلة؛ منيت بإنفضاض المشاهدين عن التواصل، مع صوت الممثل المحجوب بالموسيقى التصويرية.وبرغم احتشاد الحلقات كافة، بمادة فنية مفعمة بالجمال والابداع، إلا أننا نمكث عند “بيان رقم 1” حيث الايحاءات الذكية من منظومة التأليف والاخراج، وهما تتكاثفان في الشكل النهائي، الذي يتلقاه المشاهد، بتأمل الصورة.. ممثلاً وديكورات وموقع تصوير، خاصة ان مبدأ الاشباع تحقق، في فضاءات واسعة، أعطت كادر المشهد سعة تريح عين المتلقي. أما من حيث الطروحات، فلخصت الحال، بحكمة: “وين ما تدور وجهك.. وساخة”! فتح عدسة الكاميرا؛ لتأمين صورة واسعة وعمق جذاب؛ نادر وجديد على الدراما العراقية، المتردية (من يومها) الامر الذي يمكن اعتباره ريادة تأسيسية في تحرير الكاميرا من محدوديتها المتوارثة في الدراما التلفزيونية العراقية.. يكرر احمد وليد مارديني، إلقاء القبض على بطل الحلقة، بما يحيل الى يقظة فينيكان.. تأليف الايرلندي جيمس جويس، مطلع القرن الماضي، لكن بواقعية عراقية بامتياز.
تتضافر مع حلقة “صدام حسين” وهي الاخرى حقيقية، عن مطرب من العمارة، اسمه صدام حسين، يغني باسم “سامر” سابقاً وحالياً. المسلسل يشي بمستقبل تلفزيوني راق لجيل سامر، إذا تواصلت ظروف الانتاج المثلى، التي تم تأمينها لـ “شلع قلع”.