المسرح.. مرتقى لآفاق السلام

العراق 2019/06/25
...

حسين رشيد 
تكونت المجتمعات الحديثة على مرتكزات التعايش والتسامح وفض النزاعات التي قد تؤدي الى العنف المجتمعي قبل اي عنف اخر، بعض المجتمعات ذهبت ابعد من ذلك، حين وضعت المواطنة ضمن اولوياتها اذ ليس ثمة فارق بين مواطن واخر، ان كان دينيا او قوميا او عرقيا، وحتى المهاجرين ممن يكسبون جنسية ذلك البلد يتمتعون بما يتمتع به السكان الاصليون، وفق مبدأ البقاء مع الاخر وليس الحرمان منه، كما حدث ويحدث في مجتمعات اخرى لاتزال تعيش على النعرات الدينية والطائفية والقومية، بالتالي بقيت تراوح في مكانها ان لم تتراجع الى الخلف وتفقد البقاء مع الاخر
تمثل العلاقة الشخصية والعامة هنا اساس الحياة والبقاء مع الاخرين ضمن بودقة تعايش وتسالم، لهذه العلاقة اشكال عدة من بينها العلاقة الفنية ومنها المسرح وبوجه الخصوص (المسرح الشعبي او الكوميدي) الذي يمكن ان يكون ساحة واسعة الطيف والتنوع المجتمعي، ان كان بالكادر الفني العامل ضمن الفرقة المسرحية، او الجمهور وتنوعه او ضمن العمل المسرحي الذي يتناول الاحداث والمتغيرات المجتمعية بمعنى طريقة التناول التي يجب ان تأخذ بالحسبان ما حدث ويحدث وما سيحدث، وهذا حتما يحتاج لدراية ومعرفة وفهم لما يحتاجه المجتمع الذي سبق وان عانى من الاحتراب الاهلي
اهمية النص المسرحي هنا تأتي من تنوع البيئة اي ليس بالضرورة أن تبقى اللهجة واحدة مقتصرة على الجنوبية، وهنا حتما ثمة مآخذ عدة على ذلك، فثمة حاجة لتنوع اللهجات في هكذا اعمال تنال اهتمام شرائح عدة من المجتمع بمختلف اعماره، هذا التنوع يضفي اهمية اخرى على النص، الذي يمد خطوط التواصل مع الاخر عبر اللهجة الحكائية، وتداخلها مع اللهجات المحلية الاخرى، لكن هذا يجب ان يكون بعيدا عن الاسفاف والاستهانة، بل يمكن كتابة نص يرتكز على هذه اللهجات وتعايش المتحدثين بها، فحين يلتقي اشخاص يتكلمون لهجات مدنهم وقراهم تجدهم يتبادلون الحديث بلهجة اخرى مشتركة، على سبيل المثال اذ ما التقى مواطن من الموصل باخر من ميسان لكل منهما لهجته المحلية الخاصة تسمعهم يتحدثون لهجة بغداد او ديالى او يستمر حديثهم بلهجاتهم المحلية لكن بشكل مخفف يمكن لكل منهم فهم الاخر، هنا تأتي اهمية اللهجات وتنوعها في العمل المسرحي الشعبي وكيف يجعل من اللهجة المحكية وسيلة تعايش وتواصل مجتمعي رغم خصوصيته 
المناطقية.
وفق ذلك وما ينتج من اعمال مسرحية شعبية يتحول المسرح بكل ما فيه الى فعل تعايشي يتقبل الاخر ويتواصل معه بشتى الوسائل  بل ويصهر الجميع في بودقة واحدة، نحتاج اليوم لمسرح شعبي يأخذ على عاتقه ترميم ما خرب في الذات المجتمعية، مسرح شعبي واع فطن لكل شاردة وواردة، نريد مسرحا شعبيا جامعا لكل الاطياف والمكونات العراقية، من غير استهانة او اسفاف او ابتذال، مسرح يستند الى رؤية فنية مجتمعية تعايشية سلمية ترتقي بالانسان وذائقته وتحضره في كيفية التعامل مع الاخرين ليس من ابناء المكونات الاخرى بل حتى مع ابناء مكونه ومدينته بل واهله ايضا.
ومثل هكذا امور ليست بمستحيلة او صعبة اذ ما اخذت الجهات المعنية ذلك، وحرصت على ان يكون المسرح الشعبي سلما للتعايش والتسالم، وساحة للتنوع الطيفي المكوناتي، وألا يقتصر الامر على مسارح العاصمة بغداد، فاليوم نحتاج ان يعود المسرح لكل مدن البلاد خاصة المدن المحررة، وليس مسرح القاعات فحسب بل مسرح الشارع والفرق الفنية الجوالة التي تستقطب كل الشرائح المجتمعية.