سقوط الأسد.. بداية الحريَّة أم فوضى بلا نهاية؟

آراء 2024/12/12
...

 ناجي الغزي


في لحظة من التاريخ، تُطوى صفحة طويلة ومليئة بالدماء والدموع، تحمل في طياتها دكتاتورية استبدادية قاسية قضت عقودًا تطفئ أنوار الأمل في نفوس الشعب السوري. 

ها هي اليوم تُزاح، تاركة خلفها إرثًا ثقيلًا من الألم والخراب. لا تُكتب نهايات الأنظمة المستبدة إلا بعد أن تُنهك الشعوب، وتُنهب الثروات، ويُحفر في الذاكرة الجماعية جروحٌ قد تستغرق أجيالًا لتندمل. لكن، كما أن سقوط الطغاة يُبشّر ببداية جديدة، فإنه أيضًا يُحذر من فخاخ المستقبل. فالحرية ليست بابًا يُفتح ليعم النور فجأة، بل هي طريق مليء بالعثرات يتطلب الوعي، والإرادة، والتضحية. 

إن القادم يحمل وعودًا وتحديات في آنٍ معًا. فبينما يفرح البعض بانتهاء حقبة البعث، ينظر آخرون بعين الحذر إلى الساحة المليئة بالفوضى، حيث سطوة السلاح المنفلت تلوح كتهديد دائم، والفصائل الظلامية لا تزال تستنسخ منهج الطغاة بوجوه مختلفة.

إن العدل هو المفتاح، لكنه ليس عدل المنتصر على المهزوم، بل عدلٌ يتسع للجميع. عدلٌ يعيد للسوريين كرامتهم المهدورة دون تفرقة بين طائفة أو عرق. عدلٌ يُصلح ما أفسدته سنوات القهر، ويبني جسورًا بين قلوب الناس التي أثخنتها الكراهية.

إذا كانت هذه الحقبة قد انتهت غير مأسوفٍ عليها، فإن الحُكم على الحقبة القادمة مرهونٌ بقدرة الشعب على استعادة إنسانيته، وعلى وعي قادته بحجم المسؤولية. فالحرية بلا عدالة كالطائر بلا جناح، والعدالة بلا تسامح ليست سوى استبدادٍ جديد بثوب مختلف.

لقد آن الأوان أن تُكتب سوريا جديدة، لا بالأيديولوجيات الميتة ولا بالرصاص، بل بالعقول الناضجة والقلوب النابضة بالحب للوطن، وطن الجميع، بلا استثناء.


كاتب سياسي