أ.م. د لؤي عدنان حسون
يعد الأمن المائي أحد ابرز التحديات التي تواجه العراق في الوقت الحالي، لا سيما تلك التي تتعلق بضمان توفير المياه اللازمة لسكانه، وتأمين الاحتياجات الزراعية والصناعية والخدمية، إن اعتماد العراق على نحو رئيس لنهري دجلة والفرات في تأمين متطلباته المائية من دون مراعاة الدول المتشاطئة الاتفاقيات الدولية،
التي تضمن الإدارة المشتركة للأنهار الدولية شّكل نقطة ضعف جيوبوليتيكية بالنسبة لأمنه المائي، إذ استغلت تلك الدول هذه المشكلة واستخدمتها ورقة للضغط لخدمة مصالحها السياسية والاقتصادية، عبر تشييدها العديد من المشاريع الخزنية، ولاسيما تركيا التي نفذت اكثر من (13) مشروعاً رئيساً على نهري دجلة الفرات فضلا عن العديد من المشاريع الفرعية والثانوية، الأمر الذي مكّنها من التحكم السافر بالواردات المائية لنهري دجلة والفرات، أما سوريا فهي الأخرى تسعى إلى تخطيط وتنفيذ مشروع دجلة الكبير على نهر دجلة ناهيك عن المشاريع الإروائية والخزنية المنفذة على نهر الفرات، فضلا عن تحويل إيران العديد من مجاري الأنهار المشتركة إلى داخل أراضيها، وفي ضوء هذه المعطيات من المتوقع أن يتراجع الإيراد المائي لتلك الأنهار إلى أرقام تنذر بالخطر، ناهيك عن الصعوبات التي ترافقت مع التغير المناخي المتمثل بجفاف بعض المشاريع الخزنية وتراجع مخزون المياه الجوفية، الأمر الذي يضع الأمن المائي في حالة من القلق والترقب خلال السنوات اللاحقة، وفي ظل التنافس المتزايد بين تلك الدول وسعيها المستمر في توظيف ملف المياه لخدمة مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب حصة العراق المائية، فقد تحقق ما كانت تصبو إليه عبر توقيعها العديد من الاتفاقيات التي مكّنتها من تحقيق مكاسب سياسية وتجارية واقتصادية تجاوزت الثلاثين مليار دولار، وبناءً على ما تم ذكره يجب أن يؤخذ بالحسبان أن أي تقدم جيوبوليتيكي مستقبلي في شؤون المياه لابد من أن تقوّم في ضوء العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية، بوصفها أداة فاعلة التي تمكن العراق من توثيق الاتفاقيات وتضمن التزام تلك الدول في تامين حصة العراق المائية على أن تحدد بلغة الأرقام وتبتعد من الطغيان أو الأهواء السياسية، ولاسيما وأن هنالك مصالح مشتركة تخدم مصالح تلك الدول بالدرجة الأولى كالتقارب الجغرافي وما يفرضه الواقع الاقتصادي المّر فيها وحاجة بعضها الملحة إلى مصادر الطاقة أو للتوسع التجاري نحو الأسواق الإقليمية لعدم مجاراتها على منافسة الأسواق الأوربية، اما على الصعيد المحلي وفي ضوء ما تطرقنا إليه فينبغي للجهات ذات العلاقة اتخاذ تدابير سريعة يمكن أن تعزز الأمن المائي في العراق، بوضع خطط فعّالة لإدارة المياه تتضمن استخدام تقنيات حصاد المياه، ونظام المراشنة، واستخدام تقنيات الري الحديثة، فضلا عن إجراء تقييم شامل للخطط الزراعية والتركيز في المحاصيل الاستراتيجية التي تلائم الوضع المائي في ضوء هذه التحديات.