د.عبد الواحد مشعل
ارتبط تكوين الشخصية الإنسانية في المجتمعات المختلفة، بتأثير أنماط متعددة من المستويات الثقافية والأيكولوجية والاقتصادية، التي تميز شخصية ما عن غيرها في مجتمع آخر، تبعا للجذور الثقافية التي تحكم توجهاتها، ومن خلال هذا يمكن فهم اشتقاق العلامة الدكتور على الوردي فرضيته عن ازدواجية الشخصية العراقية من نظرية ابن خلدون الصراع، بين البداوة والحضارة، التي تنطلق من حقائق ايكولوجية، كون العراق بحواضره التاريخية يقع على حافة الصحراء، ما يجعل فرضية الوردي تسير على وفق الحقائق التاريخية والثقافية والايكولوجية، وعلى الرغم ما دار من جدل حول فرضيته عن ازدواجية الشخصية العراقية، إلا أن فيها مساحة واسعة من المصداقية، وهو ما نلمسه في ثنايا حياتنا اليومية، وتعاملاتها المختلفة، ومع التحولات الثقافية خلال القرن العشرين والألفية الثالثة، وما مر بالمجتمع من تغيرات وتطورات مختلفة تقدما ونكوصا، قد وضع الشخصية العراقية أمام مشهد جديد، هو أنها نشأت في بيئة متعددة المداخل، منها المدخل النفسي والمدخل الثقافي والمدخل الايكولوجي وغيرها، التي تقوم على أساسها سمات الشخصية تبعا لتأثيرات كل مدخل من تلك المداخل في كل بيئة تنشأ فيها، فهناك البيئة الجبلية والبيئة السهلية الزراعية والبيئة الصحراوية، فضلا عن تأثير دجلة والفرات في رسم ايكولوجية المجتمع العراقي بجانبيه الثابت والمتغير، فالشكل المرفولوجي للمجتمع العراقي خلال التاريخ مثل الجانب الثابت، بينما مثلت العلاقات الاجتماعية والتغيرات الحضارية أو الثقافية الجانب المتغير فيه.
إن هذا التصور عن طبيعة الشخصية العراقية في بيئتها المتعددة، له التأثير المباشر في رسم خصائصها الحضارية التراكمية خلال التاريخ، إلا أن هذا لا يعني أن التغير في منظومة القيم الاجتماعية في فترات مختلفة، تخلو من تشوه أو انقطاع ثقافي تفاعلت في تاريخ العراق الحديث، قد كان لإسعاف ميكانزمات بنائه الاجتماعي في حضاراته الأولى تأثيرٌ كبيرٌ في الحافظ على وحدته الثقافية ووحدة شخصيته بإطارها العام، مع وجود اختلافات بينية بين بيئة وأخرى، وهو الذي منح السمات البنائية للشخصية العراقية عمقها الحضاري وقدرتها على الصمود، على الرغم من وقوع العراق في موقع جغرافي جعله ممرا لغزوات كثيرة خلال التاريخ، حتى اصبح هناك تنامٍ في اعتزاز ذاتي بهذه الشخصية يجعلها رافضا بشكل أو بآخر خاضعا لأي حكم يأتي من بيئة أخرى، وإن رضخت إليه قسرا في بعض الفترات، إلا أنها سرعان ما تثور عليه حينما تكون الفرصة مؤاتية.
لعل هذه النتيجة في تفسير قوة ملامح الشخصية العراقية، بعدها إبداع ذاتي يتمثل في الإحساس بأنها هي التي علمت الدنيا القراءة والكتابة، وأولى الحضارات التي شرعت القوانين للبشرية جمعاء.
من جانب آخر فعل ذلك فعله في جعلها تشعر بأنها صاحبة القرار الحضاري الأول في تاريخ البشرية، لذا فإن فهم الشخصية العراقية،- فضلا عما جاءت به فرضيات العلامة الدكتور علي الوردي- يحتاج إلى اشتقاق فرضيات جديدة تفسر كوامن الخير السخي في شخصية الفرد العراقي، وفي الوقت نفسه تفسر قسوتها، وربما يمكن وصفها بالمفرطة.