دروسٌ من الإطاحة بالأسد

آراء 2024/12/17
...

أحمد حسن

الغريب أن نجد بعض الجهات أو الشخصيات العربية، بل وحتى العراقية، تُعبّر عن استغرابها من تغيير موقف إيران وروسيا تجاه سوريا وتخليهما عن دعم بشار الأسد. بينما تظل التساؤلات الأعمق تركز على ما إذا كان هذا الاستغراب حول رفض استمرار دعم الأسد يستحق أن نستغرق فيه وقتًا للتأمل. ربما وضع المرشد الإيراني الأمور في نصابها عندما صرّح: "ليس من المنطقي، أن ينهض جيش من إيران ليُقاتل بدلًا من جيش سوريا. لا، القتال بعهدة جيش ذلك البلد نفسه. ما كان بإمكان قواتنا أن تفعله وقد فعلته هو العمل الاستشاري". هذا التصريح يظهر أن إيران كانت تعمل وفق مصالحها وتوازنات نفوذها في المنطقة، دون أن يكون الأمر مرتبطًا بشخص بشار الأسد.
بالتالي، كيف يمكن أن نتفاجأ من موقف إيران وروسيا تجاه شخصٍ آلت به الأمور إلى تحويل سوريا إلى مرتع للمتطرفين والإرهابيين؟ هل من المنطقي أن نستغرب تبدّلًا في موقف إيران وروسيا، بينما الأسد اعتمد نظام حكم استبداديًا فرديًا محصورًا في عائلته وأقربائه؟. لقد تحولت سوريا، التي تمتلك تاريخًا طويلًا من التنوع الثقافي والسياسي، إلى ساحة للحروب الطائفية والدمار، مع تهجير وقتل أبنائها.
يكفي أن ننظر إلى سياسات النظام السوري، التي حاولت قمع أي محاولة للحرية أو التغيير، ووصف المعارضين بأنهم "خونة" و"عملاء". في ظل هذا الواقع، يصبح من الطبيعي أن تسعى إيران وروسيا إلى إعادة تقييم مواقفهما بناءً على تغيرات الواقع الجيوسياسي. فقد أدركتا أن مصالحهما تتطلب الموازنة بين دعم الأسد كحارس لمشاريعهما وضرورة التنبه إلى التحولات الإقليمية والدولية التي لا يمكن تجاهلها. إذًا، إذا كان من الصعب استيعاب التخاذل الإيراني والروسي، فإن الأشد صعوبة هو استيعاب الواقع السوري ذاته؟. كيف لنا أن نغفل أن سوريا قد تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، ليجد الشعب نفسه ضحيةً لصراعات لا علاقة له بها؟ كيف لنا أن ننسى أن الأسد، بنظامه العائلي المغلق، قد ألقى بكل المصالح الوطنية لصالح استقرار حكمه الشخصي، ضاربًا بعرض الحائط مصالح المواطنين الذين قبعوا تحت وطأة الظلم والقمع لعقود طويلة.
وفي الحقيقة، هذا المشهد المأساوي ليس حالة فريدة في تاريخ الحكام المستبدين. فقد سبق الأسد، في هذا المسار المظلم، صدام حسين حيث بدأ حكمه بتقويض أسس الدولة لصالح ترسيخ سلطته الفردية، ليبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: من سيكون التالي في سلسلة الطغاة الذين يحاولون أن يحكموا بما لا شرعية لهم إلا من الخارج؟ لكن في الوقت ذاته، لا يمكن إغفال أن التاريخ نفسه يقدم لنا دروسًا قاسية، تؤكد أن الطغيان لا يلبث أن يعصف بمن يركن إليه. فها هي الأحداث التاريخية تثبت مرةً تلو الأخرى أن الدول لا تبقى رهينةً لسلطةٍ غاشمة، وأن القوى الكبرى، مهما كانت حساباتها السياسية، ستجد نفسها في مرحلة ما مضطرة للتخلي عن "شركائها"، الذين فقدوا شرعيتهم، سواء أكان ذلك بسبب فشلهم في الحفاظ على الاستقرار أم بسبب انزلاقهم إلى سياسات كارثية.  هذه الحقيقة لا تأتي من فراغ، بل هي مستخلصة من تجارب تاريخية ممتدة، حيث يشهد التاريخ أن حكامًا ارتكبت شعوبهم ضدهم الثورات، وقادتهم عواصف النهاية الحتمية. ولعلنا نجد أن المفاجأة الوحيدة التي قد تُدهش حقًا هي غياب الدروس المستفادة من دروب التاريخ الطويلة. فالتاريخ ليس مجرد سجل للأحداث، بل هو مخزنٌ من الدروس التي تقدم لنا إشارات واضحة حول مصير من يركن إلى الطغيان والظلم. كما يذكّرنا الجاحظ في حكمة نافذة له: "من كانت له غايةٌ غير الحق، فلا يستغرب له الزوال". فكلما كان الظلم هو وسيلة الحكم، كانت النهاية محتومة. أما ديكارت، فيقول: "إذا كان الظلم هو الوسيلة الوحيدة للحكم، فلا بد أن النهاية ستكون جاثمةً على أولئك الذين استسهلوا الخروج على العدل".
إن العبرة التي يقدمها لنا التاريخ لا تكمن فقط في رؤية نهايات الحكام المستبدين، بل في كيفية استعداد شعوبهم لتغيير الواقع مهما كانت التكلفة. فالظلم يولّد في النفوس شعورًا متراكمًا بالظلم والضغينة، ويتراكم ذلك حتى يأتي وقت الانفجار، الذي لا يمكن لأية قوة أو سلطة أن تقف أمامه.
باحث وأكاديمي