دردشة!

الصفحة الاخيرة 2019/07/01
...

 جواد علي كسّار
هذه دردشة على طاولة «الصباح» وليست فوق النيل كما كتب يوماً الراحل نجيب محفوظ، تحلّق فيها مجموعة من المعنيين بالاقتصاد العراقي، بمناسبة صدور كتاب «ظلال التحوّلات الاقتصادية في عراق ما بعد 2003» لزميلنا الأستاذ ياسر المتولي.
كانت فرصة سانحة لكي ينطلق الحديث مفتوحاً وصريحاً إلى حدّ كبير، عن كبرى همومنا في قضية الاقتصاد، منها الاتفاقات التي وقعها العراق مع الأردن ومصر وإيران والسعودية، وتلك الموجودة أساساً مع تركيا والكويت وغيرها من الدول، فكانت إجابة أبرز الحاضرين أن تلك الاتفاقات ذات بُعد سياسي، يتقلص هامش الجدوى الاقتصادية فيها إلى أدنى مستوى، لأنها تكرّس الاستهلاك، وتعطّل الإنتاج، وتزيد البطالة، وتستهلك العملة الصعبة، وتُغذّي الطبقة التجارية الطفيلية. استوضحتُ عن نسبة العراق في الميزان التجاري، فكانت الإجابة أنها تقترب من الصفر، وتميل بالمطلق لصالح تلك الأطراف، ما ترك انطباعاً عندي، أن هذه ليست اتفاقيات، لأن الاتفاقية تُعقد بين طرفين، بينهما شيء من التكافؤ وعناصر مشتركة، وهذا ما يغيب عن هذه الاتفاقيات جميعاً!.
في الأسئلة المتكرّرة التي شهدتها طاولة النقاش عن هوية الاقتصاد العراقي، لفت نظري مصطلح «الاقتصاد الاجتماعي» الذي أثاره د. مظهر محمد صالح، وأشار إلى الاقتصاد الألماني كأنموذج له؛ وهو اقتصاد رأسمالي بجوهره، لكن بمسحة إنسانية تركز على العدالة، ونزعة اشتراكية تمنح الدولة حقّ الإشراف على الجوانب التي ترتبط بالمواطن.
أكد الحوار في واحدٍ من أهمّ حصائله، أن أمام الحركة المصرفية العراقية طريق طويل، قبل أن تواكب مثيلاتها في دول الجوار، وأن التطوّر بطيء جداً لاسيّما في قطاع البنوك الحكومية، وآية ذلك أن 20% فقط من الكتلة النقدية، تأخذ طريقها إلى المصارف، والبقية بأيدي الناس!
أعتقد أن من القضايا الأساسية التي أُثيرت في هذه الحلقة النقاشية، هو المتعلق الإنساني أو الاجتماعي للاقتصاد، فإذا كانت الطبقة العاملة (البروليتاريا) هي المتعلق الاجتماعي للاقتصاد الماركسي، والطبقة المستضعفة أو عامة الناس هي المتعلق الإنساني لدعاة الاقتصاد الإسلامي، والطبقة المتوسطة هي المتعلق الاجتماعي للاقتصاد الرأسمالي، فما هو المتعلق الاجتماعي للاقتصاد العراقي بعد التغيير؟ اختار د. مظهر الطبقة المتوسطة، لأن من المفروض أن الاقتصاد العراقي بعد التغيير هو اقتصاد سوق!
لكن أعترف أن الإجابة تعثّرت عند د. مظهر رغم بلاغته الكلامية، واصطدمت بأسئلة اعتراضية من زميلين، كلها تُشير إلى الواقع العراقي الذي تغيب عنه الطبقة المتوسطة.
عدّل «مظهر» الإجابة بأن الطبقة المتوسطة في حال تكوّن وصيرورة، ونحن نعيش لحظة الإرهاصات، فكان ردّنا عليه بأن الطبقة التجارية الطفيلية هي متعلق الاقتصاد العراقي اليوم، وما قضية بيض المائدة إلا واحدة من قصص هذه الحكاية المحزنة!