{أُمهاتنا} يستعبدُ كرامة َثوارِ غواتيمالا المُغيَّبينَ

الصفحة الاخيرة 2019/07/02
...

باريس/ سمير حنا خمورو 
تعيش غواتيمالا في الوقت الحاضر، على إيقاع محاكمة العسكريين الذين كانوا السبب في الحرب الأهلية. يعمل إرنستو، وهو شاب في مقتبل العمر له وجه طفولي درس الأنثروبولوجيا، ويعمل في مؤسسة الطب الشرعي. وظيفته تحديد هوية المفقودين، أولئك الذين اختفوا في الحرب الأهلية، وقتلوا ودفنوا في المقابر الجماعية من دون ان تُعرف هويتهم، ومن خلال اختصاصه يعمل على معرفة اسماء القتلى من بقايا العظام التي وجدوها في حفرة بالقرب من احدى القرى، يتخذ أرنستو بيتا بسيطا في القرية التي حصلت فيها جريمة إبادة جماعية، وفِي صباح أحد الايام يرى امام بابه عددا من النسوة العجائز بملابسهم الملونة، تقودهم امرأة، يطلبون منه ان يستمع إليهم. من عادة الناس في المناطق الهندية عندما يحضر غريب الى قريتهم ان يخبروه بالأحداث التي كانوا شهودا عليها، وهي طريقتهم الشفوية في الحفاظ على اخبارهم وتراثهم، هذا بالضبط محور احداث فيلم "امهاتنا" للمخرج البورتريكي سيزار دياز، الحائز على جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان "كان" 2019.
يحكي الفيلم قصص نساء مسنات فقدن ابنائهن في الحرب الاهلية، اذ تروي كل امرأة مسنة قصتها، وهو يسجل ويصور كل ما يسمع. 
يصاب باضطراب وغضب مما يسمع من أهوال تعرض لها الثوار. رواية إحداهن تثير اهتمامه أكثر، لأنه يعتقد أنه اكتشف اثرا يسمح له بتتبع مسار والده الذي اختفى خلال حرب الأهلية، عندما كان طفلا. وبمرور الزمن يشعر ان قضية هؤلاء المفقودين وقضيته واحدة. وتنشأ ألفة بينه وبين العجوز. في احدى الجلسات تقول له انها احضرتْ صورة "لماتو"، ولأنها صورة جماعية يطلب منها ان تريه من هو ماتو، تشير بأصبعها الى أحد الرجال، ويعود ويسألها، هؤلاء من هُم، وبلا تردد تقول؛ الثوار. وتستمر، كانوا في القرية، عندما وصل الجيش، احتفظتُ بهذه الصورة لان ماتو أراد ان يترك لنا ذكرى. وينصب اهتمام أرنستو على أحد الرجال ويسأل، وهذا الثائر من هو، تقول له "لا اعرف اسم مستعار. كانوا يطلقون عليه القائد، وأنها لا تعرف اسمه الحقيقي". يتركها للحظة، ويذهب حيث يعمل زملاؤه على مائدة كبيرة في تجميع العظام، يبحث في الملفات مكتبه، ويسحب منها صورتين، يعود اليها، ويطلب منها النظر الى الصورة، ويسألها إن كانت تعرف هذا الرجل وهو بملابس مدنية، تقول انه القائد، ثم يعرض عليها صورة ثانية بملابس القتال، وهنا تؤكد له انه نفس الشخص. 
ويشعر انه على وشك إعادة كتابة صفحة تأسيس من تاريخه الشخصي. نراه في مشهد في اضاءة ليلية معتمة في صالة، جالس يلعب النرد مع والدته، يسحب صورة ويسألها إن كان الذي في الصورة والده، تنظر اليه وتقول "لا ليس هو". اكتشف انها لا تقول الحقيقة، ان والدته كانت تقص عليه حكايات غير صحيحة عن والده. تشعل والدته السيجارة بعصبية، تحاول ان تخفي خوفها عليه لأنها تعرف كم هم قساة، وتحاول ان تثنيه من متابعة بحثه، "عليك ان تعطي التحقيق لشخص اخر، انه ليس والدك، لا تفقد وقتك في هذه الأمور". فيقول لها بوجهه الطفولي، كل النساء سيذهبن للمحكمة، وان اليزابيث وماريا ستشهدان، بالرغم انهما خائفتان الى حد الموت.
يحرض والدته ان تذهب للمحكمة، يستيقظ خوف الام على ابنها الوحيد، وتحاول ان تثنيه، "اسمع، الموتى قد ماتوا، حتى إذا كنّا لا نعرف مكانهم". يخرج أرنستو صورة ويسألها هل تعرف هذا الرجل؟ تقول "اعتقد انه القائد"، ويكتشف ان امه تعرفه وان الرجل ابوه. ويقول لها لماذا لم تكوني معه؟ تنظر الام الى ولدها بحنان ولكن بقوة، "انت تسأل عن أشياء لم اقلها حتى تحت التعذيب"".  وفي النهاية نشاهد الام في المحكمة، محاطة بالعديد من النساء الأخريات، اللواتي فقدن ابنائهم او أزواجهم على وشك الشهادة في محاكمة حاسمة للاعتراف بما ارتكبه الجيش والسلطة من تعذيب والمذابح ضد المواطنين.  يبدأ الفيلم وينتهي بلقطة مرتفعة على طاولة مغطاة بالعظام، حيث يعمل أرنستو على إعادة بناء هيكل عظمي تدريجياً، واكتشاف اسماء المقاتلين من اجل الحرية. وبعد البحث في الوثائق يجد أرنستو أدلة تقوده إلى قبر أبيه المفترض. استطاع المخرج ادارة ممثلين هواة، وبناء علاقة حميمة بين الممثل أرماندو اسبيتيا، الذي قام بدور أرنستو والممثلة إيما ديب التي ادت دور الأم. 
كتب السيناريو للفيلم سيزار دياز، وادارت تصويره الهولندية الشابة فيرجيني سورديج، وهو من تمثيل ارماندو اسبيتيا، وإيما ديب، وأوريليا كال، وخوليو إشيفريا، وفيكتور موريرا، وانتجته انتاج كواتيمالا وبلجيكا وفرنسا.