ياسين طه حافظ
- 1 -
واقفة في العالم
واقفةٌ في الظل،
ضاعت رغبتُها
ضاع الجبروتْ،
لا شيء لها.
قد تتأكد قبل البدءْ
أو ندمتْ، لا تدري ماذا أوقفها
فهي كأيٍّ لا يدري
واقفةٌ في هذا العالم،
ليست فيه،
لكن تسمع شيئاً يجري!
- 2 -
تسليب
يُشبهُ إنساناً، يشبهُ كلباً بوليسياً،
يشبه مخلوقاً مسخاً، غولْ.
وعليَّ أقولُ له، أُقنعهُ،
أُرضيهِ بعذرْ.
اسكتنَي في كفٍّ ألِفَتْ إخضاعَ عجولْ،
أوقفني،
وأشار إلى فمهِ!
القيتُ له محفظتي، فارغةً كشفتْ ساقيها
ألقيت له أوراقاً كانت في جيبي –
ثم استرجعتْ
واحدةً..، قلت له: عذراً
دع هذي الورقة
هي آخر، أفضل ما منح العالمُ،
آخرُ ما أملكهُ آخرُ ما يبقى مني..،
هي ما أنا أحيا.../
الغى ما شئتُ أقولْ
وكما يبصقُ في وجهي
غادرَ يشتمُ: أيُّ نهارٍ شؤمْ
هذا اليوم أرى ثاني مخبول!
- 3 -
أرضٌ اسمها الغري
انّى شئتَ، امنحني
قدْرَ القدمين تمرانِ،
قدْرَ خطى
فوق الرمل الأحمر
أعداد الموتى سوف يضاعفها الليلُ،
وأقبية أكلت ما فيها
ظلت أسماء وثقوب سودْ
ريح صفراءُ تهبُ الانَ
وحولي أحتشد الموتى،
هل ما زال طريقٌ لأعودْ؟
- 4 -
في القرية
في القريةِ، من باب الدارْ
أنظر مبتسما
أو منحسراً
عربات القشّ تجيء محملةً
عربات القمح تغادرنا.
هل يكفي أن أكتب شعراً وأرى؟
- 5 -
شبيه نوح
لم أكن لأُصلي
ولا أنا في موعدٍ،
جئتُ هذي السكينةَ، لذتُ بأشجارها
واتخذت مكاني على مصطبة.
قلتُ أنقذُ نفسيَ من طَوَفان القمامة
وأنا الآن لا أسمعُ الصاخبينَ
ولا الزائفينَ ولا الكَذَبة
بعيدٌ وتحملني مصطبة.
حسناً إنني قد نجوتُ
تجيءُ أو لا تجيءُ الحمامة.
- 6 -
ذكرى الملكة
نحنُ شيوخ المنفى، شحّاذيه،
شعراءهُ أو أصحابَ الحكمة،
لم نكسب من ثروات العالم إلا جاكيتاً وكتابْ
إلا أن نلمح وجهاً في حشد الأشكال،
في مقهى أو بيتٍ أو في موقف باص،
وجهاً يوقفنا حيث نكون.
تُربكُ قلبَكَ، يا رجلاً محزونْ
مَن سوف تظل تجاهد كي تبقى الملكة
في غرفتك المضطربة
ميتةِ الضوء بحجم العربة
وتعيشُ على ذكرى امرأةٍ كنتَ رأيتْ
لا ابقَتْكَ بفقركَ، لا اخذتك لعالمها.
وحدي الآن أفكر فيها،
ضوءٌ غابْ
وخريفُ العالم كوّمَ أوراقاً يابسةً في البابْ.
- 7 -
انتهت الموسيقى
انتهت الموسيقى
عاد الحفل لأوجارِهِ، ظلَّ الصخبُ الميّتُ
ظلت أهواءٌ فارغةٌ
ظلَّ مساءٌ صعبٌ ليلٌ أصعب.
أكواخاً من قشٍ كانت تلك الأبراج الملتهبة
اشتعلت وانطفأت. من يمنحني
نجوى صافيةً، ذكرى
من يلقي لي كلماتٍ من ذهبٍ
تتوهج في ظلمة عمري،
لحياةٍ خائفةٍ تتراكضُ يُطفئُ سطرٌ سطر..
أرجعُ وحدي الآنَ، محطاتٌ مقفرةٌ،
ما أصدقَ ظنٌّ وعدا
آخر عمري العودةُ سيئةٌ
آخر عمري العودةُ أجدى.
تلك الغرفة مطفأةٌ أفتحها،
تلك الأفكار أعودُ لها،
تلك الأوراق
وذاك أنا!
- 8 -
واضحة بهدوء
ظلّي في جلستكِ المحتشمة
لا تدَعي الكلْمةَ في الخاطر تترك خلوتَها
وجهي يعبر أفياءً ناعمةً
يترك أسواقاً ومخازنَ، يترك دنيا
يتركُ أجيالا قادمة، أجيالا تفنى
حانيتان يداكِ ومُشرقةٌ في الغيم الوردة
وأنا في حمّى سفرٍ
أنا أقطع أزمنةً عبر سلامكِ، ألقى
ما فاتَ العالمَ، ما أتمنى، ما يبقى.
ظلي بهدوئكِ، هذا ما أحتاج له،
عبر صفائكِ وجهي يكمل رحلته.
ظلي ساكنةً، كل محطات العالم لا تنفعني..
يا عتبات الفردوس التمعي
الرحلة فاتنةٌ وأنا
صرتُ بعيداً عن تلك الضوضاء المحتدمة.
- 9 -
ساعة فن
أيُّ الامال تُصنِّعُ
من تُسمِعُ في الضجةِ،
أيُّ ملائكة الله تراك؟
لا صلةٌ بعدُ بشيء في العالم
أنتَ فقدت الإرثْ
وهجرتَ المأوى
والله بعيدٌ جداً عنكْ
والأفعى تلتفُّ على المعنى.
لو تبقى تصقلُ سطراً
شئتهُ يبقى اسماً
شئته يبقى الوردة.
لو تنسى العالم
تبقى تكتبُ تصقلُ
تكتب تصقلُ حتى يلمعَ برقٌ،
هي تلك حياتك،
يحترق النجمْ!
-10-
أيهذا الغراب
لم نعدْ صِبْيةً لنُقرَّ
ولسنا شيوخاً لنهدأ في مستقرٍّ
ولا نحن أولائك العصبةُ المارقين
تعبوا فأفاؤا إلى زاوية
يقتسمون مكاسبهم ساعةً
ساعةً يضحكون من غفلة الاخرين.
نحن اولئك العائدون
وجدوا في خراب المقاهي القديماتِ ظلّاً
وكلٌ يبادل لوما بلومٍ
وخيبتَهُ بعتابْ.
كلُ شيءٍ مضى هكذا
علبٌ فارغات وأرضٌ خرابْ.
أيُّ هذا الغرابْ
أنا مثلكَ انبش هذا الترابْ!