اليوتيوب.. ملاذ الروس لحرية الرأي والتعبير

قضايا عربية ودولية 2019/07/03
...

نيل ماكفاكوهار
ترجمة: ليندا أدور
 
 
 
بالكاد تأتي القناة التلفزيونية الأولى الروسية، التي تخضع لسلطة الكرملين، على ذكر فرقة الروك الروسية النسوية " بوسي رايوت" ، أو "اليكسي نافالني "، المعارض الروسي الأبرز في البلاد، لدرجة غياب الاستماع الى برامج الحوار النسوية أو الفكاهية على حساب الحكومة أو روسيا نفسها.
يقول ليونيد بارفينوف، مذيع الأخبار المستقل والذي تم ابعاده عن التلفزيون الحكومي منذ عام 2004 لانتقاداته الشديدة للحكومة : إن "الجزء الاجتماعي والسياسي من التلفزيون تسيطر عليه الحكومة، لهذا السبب، لا يمكنك ان تنظر لها على انها صحافة تلفزيونية، بل مجرد دعاية، فهم مجرد موظفين لدى الادارة الرئاسية". 
 
مصدر للمعلومات
لكن الأصوات التي تنوي الحكومة إسكاتها باتت تسمع، وبانتظام، من قبل عشرات الملايين من الروس، وعلى نحو مختلف، ومن خلال موقع التواصل الاجتماعي اليوتيوب YouTube، فلأجل الحصول على مزيد من حرية التعبير والرأي والتعليق، من قبل منتقدي الرئيس فلاديمير بوتين، بالتحديد، أصبح اليوتيوب هو الطريق الرئيس للوصول الى المشاهد الروسي. على وجه الخصوص، يمكن ان يعد تحدياً، ان لم يكن، ليحل محل القناة الحكومية كمصدر معلومات للشباب. 
في لقاء أجراه يوري دود (32 عاماً)، الصحفي الرياضي المعروف الذي تحول الى نجم انترنت، مع عضوة فرقة رايوت، نادية تولوكونيكوفا، حصل على نحو 8 ملايين مشاهدة على اليوتيوب، حين تحدث عن مادونا، في مقطعها، بقوله بأنها "تمساح"، وأن الأفضل هو الابتعاد عنها، نجح دود بجمع أكثر من خمسة ملايين مشترك تحديداً لقاء أشخاص يحظر ظهورهم على القنوات الاتحادية، وطرح أسئلة على المحسوبين على الكرملين لا يجرؤ احد من القناة العامة طرحها. ففي إحدى المرات وجه سؤالا الى نيكيتا ميخالكوف، المخرج السينمائي المعروف بأفكاره الوطنية وعلاقة الصداقة التي تجمعه بالرئيس بوتين، حول دعم الحكومة للكثير من خيباته السينمائية. وقد حقق لقاء مطوّل اجراء دود مع نافالني، بعد منع الأخير من الترشح للانتخابات الرئاسية العام 2018، والذي يعد، هو نفسه، كقوة على موقع اليوتيوب، من خلال إنشاء قنوات سياسية هي الأكثر نجاحاً في البلاد، وبعد كشفه، أن ديمتري ميدفيديف، رئيس الوزراء ورئيس روسيا السابق، قد استغل منصبه الحكومي وحوله الى ثروة، وجمع 30 مليون مشاهدة وقاد الى خروج أكبر تظاهرات خلال السنوات الأخيرة.  
بعد مرور نحو 15 عاماً على اقصائه من القناة الرسمية، لدى بارفينوف (59 عاماً) برنامجان على موقع اليوتيوب، احدهما هو مذكرات شخصية أما الثاني فيعرض لقطات أرشيفية عن التاريخ الروسي. 
 
جيل اليوتيوب
أما دانيلا بوبرتشيني (25 عاماً)، والذي بدأ نجاحه كممثل كوميدي، عبر مقاطع له على اليوتيوب، فقد خفف من انتقاده للسياسة ،بالرغم من انه لا يزال يسخر من الحكومة ويشجع مشتركيه على المشاركة بالتظاهرات.
يقول بوبرتشيني، على العكس من جيل اليوتيوب، فإن المشاهدين ذوي الأعمار 45 عاماً أو أكثر، من الذين نشأ في الاتحاد السوفيتي، يميلون الى تصديق ما يسمعونه على القناة العامة. وفقا لدراسة أجريت حديثاً، فان المشاهدين من سكان المدينة والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و44 عاماً، فان اليوتيوب يصل الى نحو 82 بالمئة منهم شهرياً، وهي ذات النسبة للقناتين الحكوميتين، الأولى وروسيا. 
ويذكر استطلاع اجراه مركز ليفادا المستقل العام الماضي، أن غالبية الروس يعتمدون على التلفزيون كمصدر رئيس للأخبار، باستثناء الفئة العمرية الأصغر سناً، ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و24 
عاماً. 
ووجدت الدراسة بأنه كلما زاد المستوى التعليمي والحضري للسكان، زادت ثقتهم بالانترنت كمصدر للأخبار، وبشكل خاص، في ما يتعلق بالقضايا الحساسة كالاقتصاد والاحتجاجات المناهضة للحكومة. "يتباهى التلفزيون بروعة روسيا ويشير فقط الى الاخطاء التي يرتكبها الآخرون" يقول بوبرتشيني، لكن الروس الأصغر سناً هم الأصعب في التوجيه"، مضيفاً "صار بإمكاننا الآن الذهاب الى الخارج، نستقي الخبرة من الدول الأخرى وكيف يعيشون". 
تدين بعض العروض الغريبة وغير التقليدية نجاحها لتركيزها على موضوعات تعمد القنوات العامة الى تجاهلها أو تشويهها كالحركة النسائية الداعية للمساواة بين الجنسين. 
 
إرث ستالين
يعرب مناصرو حرية التعبير عن خشيتهم بأن تحاول روسيا اتباع النموذج الصيني بفرض الرقابة المشددة على الانترنت، وقد اتخذ الكرملين أولى خطواته بهذا الاتجاه. لكن يرى بعض النقاد ان التهديد الرئيس لليوتيوب  روسيا ينبع من نجاحه، فالمصدر الجديد للمال  والعروض والمعلنون، يدفع بالقنوات البسيطة وغير المتكلفة جانباً والتي صنعت منها متنفساً مهماً، مهددة بتهميش المحتوى الجاد، وتحديداً السياسة.
يلجأ الكثير من المشاهير، مثل كسينيا سوبشاك، نجمة تلفزيون الواقع الروسية والصحفية ومرشحة الرئاسة الفاشلة، الى تكرار الظهور على اليوتيوب. يقول نيكيتا ليكاتشيف، محرر {تي جورنال}، للمجلة الالكترونية التي تغطي جميع الأحداث على الانترنت: "إن التلفزيون مقبل على اليوتيوب لأنهم بحاجة الى الابداع والسوق، ويحلمون بالسيطرة 
عليه". 
عالمياً، واجه موقع اليوتيوب انتقادات عدة وذلك لفشله في الحد من المحتوى المتطرف والعنيف. لكن حالياً، وعلى أقل تقدير، فان هذه الشريحة من برامج اليوتيوب، تستضيف الكثير من المناقشات التي تدور حول روسيا أكثر مما تعرضه القناة العامة. 
مؤخراً، انتهى دود من القيام برحلة شاقة عبر اقليم كوليما المتجمد اقصى الشرق الروسي والتي كانت معروفة بمخيمات العمل القاسية، ونشر فيلماً وثائقياً 
عنها. 
شاهد الشريط أكثر من 14 مليون شخصاً حتى الآن، الذي ناقش فيه دود كيف أن الروس لم يتمكنوا من تجاوز الخوف الذي خلفه إرث ستالين، فالتلفزيون الرسمي لا يمكنه تعزيز مثل هكذا تأمل. ورغم المخاوف من أن يصبح اليوتيوب أكثر تجارية، لكنه يبقى البرنامج القابل للحياة والتطبيق بالنسبة لأولئك الذين سيحللون، وبشكل صريح، روسيا الحالية، "ان المعارضة لا مكان لديها لأن تعيش فيه، إن لم يكن على الانترنت" والحديث لبارفينوف.
* (فرقة نسائية مقرها موسكو تقوم بإجراء عروض عن الحياة السياسية في روسيا في أماكن غريبة مثل ظهر الباص الكهربائي أو على سقالة في مترو أنفاق موسكو - ويكيبيديا).