سامر المشعل
لا شك أن الصوت الجميل هو هبة ربانية، مثل ما يمنح الخالق شخصا ما وسامة أو قواما متناسقا أو عينين جميلتين.. ومن أجل احتراف الغناء لا بد من أن تدعم خامة الصوت بالمران والتدريب على أداء ألوان الغناء والمقامات.
هل الصوت الجميل المدرب يكفي لأن يكون صاحبه فنانا ويطرح نفسه في الوسط الفني ؟ بالتاكيد هذا لا يكفي، ولا بد من أن ترصن الموهبة بالمستوى الثقافي والتعليم، لأن الفنان يعبر عن مشاعر واحاسيس وافكار الناس، اي بمعنى أن المطرب هو المترجم لأسمى المشاعر الانسانية والوجدانية والوطنية.. بل ممكن أن يكون هذا الفنان والمطرب ممثلا عن وطن باكمله، وهنا لا بد من أن يقنع الاخرين بأنه أهل لهذه المهمة من خلال منطقه واختياراته لاغنياته والنصوص التي ينتقيها وسلوكه العام ومستوى افكاره وذوقه.. فالمستوى الثقافي يعكس سلوك وذوق ومنطق كل فنان.
ولو اجرينا مقارنة بين المستوى الثقافي والتعليمي بين الجيل القديم والحديث من المغنين في الساحة الفنية، نجد هناك بونا واسعا بالمستوى الثقافي والعلمي بين الاثنين انعكس بشكل مباشر وجلي على مستوى ما يقدمونه من فن وكذلك على المستوى الذوقي والاخلاقي.
ولو تحدثنا عن المستوى الثقافي لجيل الرواد، فإن المطرب فاضل عواد حاصل على شهادة الدكتوراه باللغة العربية، ثم نال لقب الاستاذية، والفنان سعدون جابر حاصل على شهادة الماجستير بالأدب الانكليزي، وشهادة الدكتوراه في الموسيقى، والملحن مفيد الناصح حاصل على شهادة الدكتوراه في علوم البحار، والفنان حميد منصور حاصل على شهادة الهندسة، والفنان حسين نعمة والملحن طالب القره غولي والفنان كمال محمد جميعهم خريجو معهد المعلمين وعملوا بسلك التعليم.
هؤلاء الفنانون بالاضافة إلى مستواهم العلمي العالي عاشوا في وسط فني يحترم الثقافة والكتاب ويشجع على القراءة والمعرفة، والذين سبقوهم بعالم الفن يوجهونهم بضرورة ترصين شخصيتهم بالادب والثقافة، من أجل ان تتكامل لديه الموهبة الربانية بقوة حضور الشخصية وتأثيرها.
انعكس ذلك على تقديم فن ملتزم وبمستوى فني راقٍ ساهم في رفع الذوق العام لدى عموم المستمعين، إلى جانب لجنة خاصة لحماية الذوق العام في اذاعة بغداد، لا تسمح بمرور اعمال تسيء إلى الذوق العام.
أما الجيل الحالي من المغنين ففي الغالب يفتقرون إلى الثقافة العالية والذوق الرفيع والمستوى العلمي، لا يملكون الهم الابداعي بقدر اهتمامهم بالانتشار السريع وامتلاك الثروة، لذلك قدموا فنا رخيصا استهلاكيا ساهم في تدني الذوق العام وتشويه الذائقة، فنا لا ينتمي للناس والتراث العراقي، سرعان ما يسقط من
الذاكرة.