جينات وراثية !

الصفحة الاخيرة 2019/07/05
...

حسن العاني 
أصحاب الاعمار التي تقاوم الانقراض مثلي يستذكرون كيف كان النظام الملكي يمتلك تهمة جاهزة وهي (الشيوعية) ضد أي شخص يعارضه, حتى بأت العرف السائد بين الناس, ان اي سياسي يتعرض الى السجن او التوقيف هو شيوعي, واذا كان من الصحيح ان الحزب الشيوعي  يومها يتصدر واجهة الحركة الوطنية, فمن الصحيح كذلك ان الحركة الوطنية لا يمكن ان تختزل به, لكونها تضم العديد من الاحزاب والحركات والشخصيات المستقلة, وهكذا قدم النظام الملكي خدمة العمر له, عندما اظهر قوته وعدد اعضائه بعشرة اضعاف حجمه الحقيقي, وبالتالي فأن ربيع الحزب الشيوعي كان في اربعينيات القرن الماضي وخمسينياته بسبب التهمة الجاهزة!!
الغريب ان هذا السيناريو لم يتغير في الحكم الجمهوري بعد (1958) فقد طفت التهمة الجاهزة على السطح من جديد والمتهم فيها هذه المرة (البعثيون), وهكذا اصبحت (التهمة البعثية) جاهزة ضد كل من يعارض النظام, قومياً او ناصرياً او مستقلاً او عابر سبيل, وبهذا قدم أمن السلطة من حيث يدري ولا يدري خدمة العمر لحزب البعث, لانه اظهر حجمه وعدد اعضائه عشرة اضعاف ما هو عليه.... بعد انقلاب شباط 1963, وصعود البعثيين الى السلطة, عادت التهمة الجاهزة الى الظهور وكأنها جينة متوارثة في الانظمة العراقية, وكانت التهمة من نصيب الشيوعيين مجدداً, مع ان الذين عارضوا انقلابيي شباط, كانوا من تيارات شتى, قومية ودينية وتقدمية ومستقلة... الخ, وربما كان الجزء الأعظم من معارضي 1963 ينتمي الى الشرائح الشعبية المستقلة التي رأت في (عبد الكريم قاسم) بطلها وأملها , ولكن سلطة الانقلاب تجاهلت الحقيقة, وشهرت التهمة الجاهزة في وجه عشرات الآلاف من تلك الشرائح (القاسمية)- اذا جاز التعبير- وضمتهم الى خانة الحزب الشيوعي الذي حظي مرة اخرى بخدمة العمر!
بعد 1968 استثمر البعثيون خطأ الشيوعيين الكبير بانضمامهم الى (الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) -  هذا هو اسمها- وقاموا بتصفيتهم حتى أنطفأ وهجهم او كاد, وذبل عودهم او كاد.. ومع ذلك لم تتوقف حكاية التهمة الجاهزة في مرحلة ما بعد 1968, وكانت هذه المرة ضد كل من يواظب على الصلاة في دور العبادة او يقيم طقوس عاشوراء.. الخ, فهو اما (وهابي) او من حزب (الدعوة), وهكذا غصت السجون بآلاف المتدينين المستقلين, ولكن السلطة قدّمتْ خدمة العمر لطرفي الحركة الدينية.. ويوم احتل الأميركان العراق وتوهم معظمنا بأن البلد يمر بمرحلة جديدة, فوجئنا بتنامي التهمة الجاهزة وكان اسمها هذه المرة (أزلام النظام السابق) وتضخم عدد (الأزلام) الى عشرة اضعاف او عشرين ضعفاً, وعندما خفّتْ حكاية الأزلام, طوّر السياسيون التهم الى اسلوب حديث, حيث بدأ تداولها بينهم, كل واحد لديه ملفات وتهم جاهزة ضد صاحبه, ناسين انهم من خندق واحد وشركاء الأمس والحاضر و... وما زالت التهم جاهزة مستمرة وقائمة لانها جزء من جيناتنا الوراثية!!