حاورته: نوارة محمد
هاني نديم شاعرٌ سوري عمل منذ التسعينات في الصحافة المكتوبة والمرئية، برز أسمه في صنع الأفلام الوثائقية وله مسرحيات كتابة وإخراجاً، عرفته الأوساط الأدبية واحداً من أبرز شعراء تسعينيات القرن الماضي الذين تأثروا بالبلدة التي ولد وعاش فيها فراح يسلط الضوء على هوامشها ومتونها، بأسلوب أدبيّ كثيف كثير الشّاعرية، إنه الشاعر .
هاني نديم تحدث لـ»الصباح الثقافي» عن تطوّر تجربته الشعرية بين مجموعاته الأولى وآخر أعماله قائلاً: بناءً على مقولة الجرجاني بأن الكتابة دُربة، فهذا يعني التطور والتمرينات المستمرة فنحن نتمرن ونتدرب باللغة وصولاً إلى هدف غير منظور فأنا لا أعرف حقاً ما الذي تطور، أحياناً أحب نصوص البدايات الطازجة التي لم تلوِّثها المعارف والثقافة، وأحياناً أخرى أخجل منها.
وبناءً على مقولة هوميروس بأن الشعر رحلة صيد ليلية، فنحن لا نعرف ماذا سيواجهنا في هذه الرحلة التي قد يكون فيها قطاع طرق وغيلان، قد يخرج لنا الكثير من الغيلان التي ستأكل المنتَج كغول الشهرة أو الغرور أو المآسي من غيابات وأمراض وغيرها، وبهذا لا يعني طول المسيرة أنه أمرمحمود على الدوام.
ولكن أعتقد أنني لم أخف خلال تلك الرحلة أبداً، جرَّبت طُرقاً جديدة مجنونة ونجوت إلى حدِّ هذه اللحظة».
نديم الذي أصدر عشرين مُؤلفاً، منها (نحات الريح) و( كونشرتو الذئب) و( متحف الوحشة ) و (كرامات الصحافة والأدب).
مارس مهنة الصحافة على مدار سنوات بأسلوب حداثوي إبداعي لا يقلُّ أهمية وشأناً عن دوره في المشهد الثقافي الشعري إذ أشار :» هذا الموضوع أيضاً تمرين، إنه يشبه حمل «بطيختين» بيد واحدة، يكون مُربكاً في البدايات فالصحافة لا تقبل شريكاً ولا الشعر بدوره، ولكن بالتمحيص والتفكُّر، فإن هذين المسارين يتكاملان ويتناغمان بشكل رائع، ونستطيع أن نولد منهما معاً مساراً ثرياً ومؤثراً.
مرات أكره الصحافة لأنها تمنعني عن التأمل الطويل والنصوص الشعرية المركبة.
ومرات العكس.
ولكن حقاً أنا محظوظ بهذه الإشكالية ومستمتع أيضاً».
مضيفاً :» ولعل أكثر ما أثَّر بي، هو أنني سرعان أجريت مئات الحوارات الصحفية مع شخصيات عربية وعالمية، أخذت من كل مثقف أحبه جزءاً، جملةً ربما، فكرة، غيرت حياتي.
إن الاحتكاك بالمثقفين الحقيقيين يثري ويغير».
وفي الإشارة إلى الاقتراب من الواقع والجمهور اللا نخبوي يرى الشاعر هاني نديم أنه قريب لجمهوره وهو لا يجد ذاته في أوهام النخب، يقول :» لا أخضع لتشويش المصطلحات وأوهام النخب وخلافه، أعيش حياتي كما أحب وبما يشبه شخصيتي، أنا أكره الادعاء جداً، في كل شيء، وهذا أنا حقاً رجل بسيط من قرية رائعة، ولا يعني الكثير أنني زرت العالم أو قرأت أمهات
الكتب.
في الآخر ما يطفو ويبقى هو المعاملة، وآمل أنني أكون قد أحسنت معاملتي مع الناس والحياة.»
وفي سياق الحديث عن الشعر يعتقد نديم أن الشعر لا يزال قادراً على التأثير في المشهد السياسي والاجتماعي في سوريا: الشعر في كل زمان ومكان هو محاولة طائشة ربما في إصلاح الأمر، وهو حامل جمالي وانعكاس لما يجري، يتأثر ويؤثر، وأعتقد أن الشعر السوري اليوم قد أنجز الكثير من مهمته كمدوّن أدبي لحقبة دامية لم يشهد مثلها التاريخ.
ولا أظن أن دوره سيتجاوز دور التدوين
يوماً.
لا أذكر من قال ماذا ستفعل القصيدة أمام الدبابة، وهذا حقيقي.. ولكن دوماً نأمل أن يحفظ الشعر أولئك المتحاربون ويتوقفوا عن سفك الدماء في كل الكوكب، يؤسفني أن أقول إن اليوم الثقافة العربية بعمومها ليست في مركز الاهتمام العربي، مع كل تلك الحروب والمآسي من حولنا، وبالتالي تراجعت أقسام الثقافة في جميع المواقع والصحف العربية.
والأمر بالتدافع، حينما يكون المشهد الثقافي أفضل سيتقدم الإعلام الثقافي».