أ.د. عبد الواحد مشعل
إن الحديث عن الأحلام وعلاقتها بالناس يستوجب الرجوع إلى دراسات علم النفس والانثروبولوجيا وعلم الاجتماع، التي كشفت لنا أن الأحلام ظاهرة قديمة تمتد خلال التاريخ ولها أبعادها النفسية والاجتماعية شاغلة الانسان باستمرار، وما نالته من اهتمام المعتقدين بها على أنها جزء من الحياة الاجتماعية، لما فيها من الإيحاء حول حياة الأفراد، ولا سيما عندما يربطون ذلك ببعض المسائل الغيبية.
يرى علم الاجتماع أن الحلم ما هو إلا أفكار وهمية وجدت في تجاب الفرد، وأن وظيفتها هي نفسية تتمثل أغلبها في الهروب من الواقع الصعب أو المشكلات الاجتماعية، التي يتعرض إليها في الفرد في مسار حياته، ما يجعل الأحلام ومنها أحلام اليقظة متنفسا مهماً له. كما ان للأحلام أبعادا نفسية تتصل بشخصية الفرد وأفكاره ورؤيته للحياة، وما يتصل بها من التأثير في قنواته في جانبها الواقعي أو في ما يراه في أحلامه من أحداث، وما يترتب عليها من نتائج سواء كانت إيجابية أو سلبية، فيكون ربط الأحلام بمؤثرات التنشئة الاجتماعية وتجارب مر بها الأفراد في مسيرة حياتهم مسألة في غاية الأهمية لما تطلبه من تأمل وتحليل.
إن البيئة الثقافية تؤثر كثيراً في الاعتقاد بالأحلام ونتائجها على الجانب النفسي والاجتماعي، إذ اتضح إن البيئة الريفية لها تأثير كبير في ذلك، ما يجعل الأفراد في أغلب الاحيان يربطون ذلك بالثقافة الشعبية.
إن هناك تغييرا قد طرأ على اعتقاد الأفراد بالأحلام، يمكن أن نجده حين نقارن بين جيلين، الأول، الآباء والأجداد، والثاني الأجيال الجديدة، ويرجع ذلك إلى التحولات الثقافية في عالمنا المعاصر، بسبب الثورة المعرفية والاتصالية ووسائل الإعلام، التي خلقت وعيا اجتماعيا، وكذلك بسبب انشغال الانسان بأحواله واعماله المتسابقة مع الزمن، فلم يعد الفرد يعطي أهمية كبيرة بها، ما يكشف لنا أن هناك فرقا بيناً بين الحياة التقليدية التي عاشها آباؤنا وأجدادنا، فهناك من ينظر إلى الأحلام بأنها شيء مهم جدا في حياته، فهناك شواهد ميدانية نقلت بأن الفرد الذي يرى حلما متشائما تجعله لا يذهب إلى العمل، لأنه رأى أنه يغرق، ما يجعله يشعر بوجود مخاطر ستداهمه، فيكون رد فعله بألّا يذهب إلى العمل أو يكون مزاجه الاجتماعي متعكرا، ويعيش حالة توتر وقلق، أو يحلم بوجود غراب يحط على بيته، ما يبعث شعور شؤم في نفسه ما يجعله أن يقوم توزيع الثواب درءا للمخاطر أو المصائب. اما إذا حلمه سعيدا فسيكون يومه يملؤه الارتياح والتفاؤل منتظراً من أن ثمة خيرا سيصيبه.
اما في الحياة المعاصرة وزحمة الحياة، فلم تعد الاحلام تشغل بال الاجيال الجديدة كثيراً، فوسائل الاتصال والإعلام وغيرها، قد خلقت اتجاهات جديدة من التفكير، وإن وقت الفراغ أصبح ضيقا، وإن الانسان نفسه لا تشغله الأحلام كما كانت تشغل أجدادنا وآباءنا، اما ما يقوله علم النفس بأن الاحلام مصدرها ما يكمن في اللاشعور، ولا تتعلق بالواقع والمستقبل.
يفرض هذا الوضع المطالبة بمزيد من الدراسات والأبحاث العلمية عن ماهية الأحلام على وفق المنهج التجريبي الذي يقطع الشك باليقين، وفهم تأثير العوامل النفسية والاجتماعية التي كان لها وقع في حياة الانسان منذ ولاته حتى حالته المعاصرة. فالكلام عن علاقة الاحلام بالناس يفرض علينا مراجعة نقدية للأفكار الشعبية، التي تعطي تفسيرات لا تستند على ادلة يقينية، ما تؤدي ارباك حياة الفرد والمجتمع.