سبهان الغبشة.. معماريَّة اللَّون

ثقافة 2025/02/19
...

 عبد الأمير عسكر


كأن تكون الفرشاة مفتاح حرية تدخل إلى أبنية  فوتوغرافية لتعطيها تعبير لوحة، ولغة لون، ومفهوم جديد، وحياة ثانية، وأنامل حب، وأطراف شغف، ونبض متجدد، لتتمرد أكثر، وتخلق لها مسافات خارج قصاصة الورق إلى انتماء لوحة، وهناك الأخيرة تتبناها على وفق امتزاج عظيم، هكذا تلد المنشودة الثالثة - فوتو تشكيلي - من أرض صورة ونهر لون. 

وقتما اكتفى سبهان الغبشة أمام لوحاته ولونه وفتوغرافه، تغنجت أمامه فرشاته من جديد، باتت تتراقص لوجهة قادمة، حتى توجها معًا إلى مدن التكوين، ليحدث الأمر المعني أمامنا، صورة فوتوغراف تصبح توأم اللوحة، واللون يصل في تمام لحظة الغرام، لتلد قصة الفوتو تشكيل. 

لتتشكل لوحته من جسدين وروح، كل ما يحدث عبور وتداخل وهيام وجهة إلى المعنى، لإعلان تتمتة إبداعية ووصول لهناك، حيث بهجة العمران الفني. 

وتلك اللغة التي تصلنا من لوحات المعرض الشخصي الـ14، تحديدًا في تجربة إبداعية وفنية ثانية (فوتو تشكيل 2)، كانت عن أبجدية فريدة عن 40 لوحة في أروقة المعهد الثقافي الفرنسي - الموصل، أن تعلمت الصورة لغة اللوحة وبادرت الأخيرة إلى فهم كينونة الصورة، حتى حدث التواصل والتداخل العميق أمام إشارات لوّنية تضج بالدلالة، مع بقاء كيان المكانين الضاجين بالتوثيق الصوري/ التشكيل اللوني. 

ترى الصورة قد تبنت اللون، حتى أنها وافقت على إضافات أو امتدادات جديدة، من عمران، وخط، وحرف، وزخرفات، وحتى أبواب ونوافد، وشرفات، وطرق وسماء وقمر، كما اللوحة التي تواضعت جدًا، حتى فتحت أبوابها لأبناء الصورة وأنسابها وهجراتها وطيورها وحكاياتها وتراثها وما ثقل عن الصورة لتتلقاها اللوحة بحب وجود. 

ففي اللوحة قد ترى رحبة تضج بأجزاء الصورة التي تحررت لغاية إبداعية ومراد الغبشة، وما ترى - عند تعمد حميد لقص صورة ما - إذ تراه ليس قص لجسد الصورة عن فوضى وجعلها في أمكنة متباعدة أو متداخلة، هذه مبادرة وإحياء وتشكيل بطريقة مغايرة جدًا. 

فما زالت اللوحة تضج بالدهشة، تتوق لجنون الإضافات، وتبني المزيد من شغف الفنان دونما ملل، قبلت بتكنيكات عديدة وكثيرة، فترى الحرق، والعتمة، والطعنات، وأردية من خيط أو ورق، حتى تجد إضافة فريدة؛ قد أضيف ورق عادي قصدي دون تلك الصورة الفوتوغرافية الأصلية - تعلو اللوحة وتعلو الصورة لتصبح ثالث الإضافات بجانب اللوحة والصورة الفوتوغرافية، ليتم إيصال تعبير أعلى أو إلحاق مفهوم أكبر، هكذا لتعبر عن الحياة تمامًا دونما اجحاف أو نسيان للدنيا.

واللون نهر، قد طغى في حكايا اللوحة والصورة، رسم البهجة والحبور وقصص الجمال، بات سببًا في حيوات تشكيلية عديدة، كأن ينسكب في اللوحة لخلق استمرارية  من مواطن الصورة امتدادًا إلى جسد اللوحة، بغض النظر عن هذا الامتداد ففيه امتدادات: جانبية لخلق الجدران أو النوافذ أو كتابات يومية متروكة، أو أخريات علوية لخلق السماء أو الطيور أو الأسلاك أو السقوف والشرفات، ومنه امتداد أرضي لخلق الجريان أو اندلاق ما، أو لتعبيد طريق أو لرسم شق لساقية أو لتشييد حديقة. 

لنعود مرارًا، ويعلو بنا الغبشة ثانية، يأخذنا إلى مدرسته الرمزية، حتى يدس الشعور أيضًا في تكويناته الفوتوتشكيلية، لترى لون الوجع قد نضح من نافذة عليلة الفؤاد، قد تألمت من الطابوق الساكن على نبضها، سكب اللون، لون وجعها، تزاحم حتى أراد أن يسلك طرقات تعبير عميق، خرج اللون من الصورة ليواصل إلى اللوحة دونما توقف، مثل إشارة نجاة، ولو أن في التشكيل متسع لبلغ إلى حيث الجريان في قاعة العرض.

أو هناك إلى باب فيه أدلة وشواهد تلك العتمة التي مرت عام 2014، حيث اللون الأحمر المعبر تمامًا عن دم وذبحة للطيور البشرية التي تذوقت حرقة الحز خلف الأبواب المغلقة الموسومة بالمنع لأي شكوى.