د. هوشيار مظفر علي أمين
في مؤتمر ميونخ للأمن 2025، وقف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى جانب رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، مؤكدين معًا التزامهما بمشروع عراقي موحد، فيدرالي، ومستقر. لم تكن المرة الأولى التي يظهر فيها القائدان على منصة دولية معاً؛ فقد شكّلت مشاركتهما المشتركة في مؤتمري ميونخ 2023 و2024 مسارًا واضحًا لتكريس رؤيتهما الاستراتيجية لعراق لا تحكمه الانقسامات، بل تقوده الشراكة السياسية والاقتصادية والأمنية.
لم يكن حضور السوداني وبارزاني في ميونيخ مجرد تواجد بروتوكولي؛ بل كان تجسيدًا عمليًا لما أصبح نهجًا سياسيًا متكاملًا. فالسؤال الذي واجهاه في تلك المؤتمرات لم يكن مجرد كيفية التعامل مع التحديات الأمنية التي تواجه العراق، بل كيف يمكن تحويل التوترات التاريخية بين بغداد وأربيل إلى نموذج للحكم المشترك في بلد متعدد المكونات؟
الإجابة جاءت عبر سياسات عملية بدأ العمل بها منذ تولي السوداني منصبه في 2022، حيث دفع باتجاه شراكة حقيقية مع إقليم كردستان، بعيدًا عن السياسات التصادمية التي حكمت العلاقة لعقود. في المقابل، كان بارزاني لاعبًا رئيسيًا في تحويل العلاقة بين أربيل وبغداد من صراع على السلطة إلى تعاون في إدارة الأزمات.
العراق ليس بلدًا يعيش استقرارًا سياسيًا تقليديًا؛ بل هو دولة تُدار وسط أزمات داخلية وخارجية معقدة. السوداني وبارزاني أدركا هذه الحقيقة مبكرًا، وبدلًا من الغرق في دوامة الصراعات الحزبية، عملا على إدارة الأزمات بآليات استراتيجية اشتهرا بها، قائمة على التنسيق الأمني المشترك، من خلال تمكين مراكز التنسيق الأمني بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة في المناطق المتنازع عليها، لمنع استغلالها من قبل الجماعات المسلحة. و تعزيز الجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب، خصوصًا ضد بقايا تنظيم داعش، ومنع تحوله إلى تهديد جديد.
كما عمل القائدان على تحقيق الشراكة الاقتصادية وتقاسم الموارد، عبر اعادة هيكلة اتفاقيات تصدير النفط عبر أربيل، مع ضمان حقوق الحكومة الاتحادية والإقليم. ودعم المشاريع الاستثمارية المشتركة التي تعزز التكامل الاقتصادي بين شمال العراق وجنوبه، بدلًا من إبقاء العلاقة محصورة في إطار الموازنة السنوية.
نجح السوداني وبارزاني في إعادة تعريف الفيدرالية كمفهوم حكم وليس كأداة انقسام، وذلك من خلال الترويج لنموذج حكم يسمح بالمزيد من الصلاحيات للإقليم، لكن ضمن وحدة الدولة، بما يتماشى مع الدستور العراقي. ومنع القوى الخارجية من استغلال الخلافات الداخلية لفرض نفوذها على القرار العراقي.
العراق ليس بمعزل عن التوترات الإقليمية والدولية، والسوداني وبارزاني تبنّيا نهجًا مشتركًا قائمًا على تحييد العراق عن سياسة المحاور، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية. كان ذلك واضحًا في مؤتمرات ميونخ الثلاثة، حيث قُدِّم العراق ليس كدولة متأثرة بالصراعات، بل كطرف قادر على لعب دور الوسيط في الأزمات الإقليمية.
وخطاب السيد نيجيرفان البارزاني هناك بالأمس كان خطاب أمن العراق بوحدته من مركزه لكردستان لا وحدة انشاء بل وحدة واقعية بتأكيد التكرار منهما.
السوداني، من موقعه في الحكومة الاتحادية، وبارزاني، من موقعه في إقليم كردستان، تحولا إلى لاعبين أساسيين في توجيه السياسات العراقية الخارجية، مع التركيز على خلق توافق داخلي يمكّن العراق من أن يكون فاعلًا لا تابعًا.
السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل يمكن للسوداني وبارزاني تحويل هذا التفاهم السياسي إلى إطار مؤسسي دائم؟ التحديات لا تزال قائمة، لكن الفارق هذه المرة هو أن العلاقة بين بغداد وأربيل لم تعد قائمة على ردود الفعل الآنية، بل على رؤية واضحة من القائدين لعراق اتحادي قادر على استيعاب تنوعه، وإدارة صراعاته بدلا من أن يكون ضحية لها. وتلك بعض معالم نجاحهما في ادارة الازمة وقيادة الصراع معاً.