احذروا الدكتاتور!

الصفحة الاخيرة 2025/02/23
...

محمد غازي الأخرس 

 واحدة من أروع المقالات التي قرأتها قبل أكثر من عقدين تعود للشاعر عباس بيضون، وكان نشرها في صحيفة السفير اللبنانية، وعنوانها “قلعة المرايا”. المقالة تتحدث عن قلعة رمزية يعيش فيها الدكتاتور صدام، وتتكون جدرانها الدخلية من مرايا، لهذا لا يرى الدكتاتور سوى صورته. يختفي الآخر تماما ولا يعود له وجود بالمرة. كان عباس بيضون قد كتب المقالة بمناسبة صدور رواية (زبيبة والملك) التي كتبها صدام قبل نهاية القرن، وطرح نفسه عبرها بوصفه أديباً. يقول بيضون إنه خلال قراءته “زبيبة والملك”، لم يستطع تجنّب سؤال ـ أين صدام من شخصيات الرواية ووقائعها؟ 

فقد نبهه أحدهم لدى النظر إلى صورة عائلية لصدام إلى أن أفراد العائلة وخاصة الأصهار هم مجرد صور أخرى عن صدام جسمانياً، فلهم القامات نفسها والطلات عينها. تسريحاتهم وشواربهم من الموديل ذاته “ويمكنك أن تجد أن الوزراء يجتهدون لتكون لهم لائحة من صدام، وكذلك القادة الحزبيون والعسكريون”. أغلب الظن أن بيضون يقصد الصورة الشهيرة التي جمعت صدام، في مناسبة عائلية مع أفراد عائلته حيث يظهر مع زوجته ساجدة، يحيط بهما الأبناء وزوجي رغد وحلا حسين كامل وصدام كامل اللذين قتلهما الخ. 

تفيد الفكرة باختصار، أن نظام صدام الشمولي ارتكز، أساساً، على منطق إذابة الجموع في شخصية واحدة هي شخصية الرئيس، لدرجة أن صورة الأخير لم تعد تحمل الوظيفة التقليدية المعتادة للرؤساء التقليديين، بل تحوّلت إلى رمز رهيب الوقع، كل شيء يذوب فيه، “فإذا قال صدام قال العراق”. فوق ذلك، من يخالف هذا الطاغية لابد أن يختفي، إما في السجون، أو من تحت التراب، بل إن الخوف من الطاغية شمل حتى الأفكار الداخلية التي يفكر بها الإنسان ويمكن أن تظهر في الأحلام. كم من سيء حظ ضاع في الزنازين بسبب حلم حلمه في المنام وحكاه لصديق “علاس”، وكم من مسكين أعدم بسبب إنه علم بتأسيس حلقة حزبية ولم يبلغ عنها. 

 لماذا تذكرت مقالة عباس بيضون وفكرة قلعة المرايا؟ تذكرتها وأنا ألاحظ ما يشيع في مواقع التواصل الاجتماعي من إعادة تصدير لصورة ذلك الطاغية المجرم ومحاولة تحبيب الجيل الجديد به. إنها حملة خطيرة خطيرة وخطيرة جداً، أتمنى الانتباه لها جيداً قبل أن تتسع أكثر، هل وصلت الرسالة؟ 

أتمنى ذلك