ثنائيون في السلطة!

الصفحة الاخيرة 2019/07/08
...

 جواد علي كسّار
لن أغوص بعيداً في التأريخ، بل اكتفي من الظاهرة على أمثلةٍ لها قريبة، ففي مصر انتهت ثنائية السلطة بين محمد نجيب وعبد الناصر، إلى اعتقال الأول، ولم يُفرج عنه إلا بعد وفاة الثاني بسنوات. وفي الجزائر أخذت ثنائية السلطة بين أحمد بن بلا وهواري بومدين؛ أخذت ببن بلا إلى السجن الطويل حتى وفاة بومدين، في حين قاد الصراع الثنائي على السلطة، بين الشيخ مجيب الرحمن في باكستان الشرقية، ومحمد علي بوتو في الغربية، إلى انقسام باكستان وولادة دولة بنغلادش!.
في ماليزيا انتهت ثنائية مهاتير محمد ومساعده أنور عبد الرحمن، إلى صراع لا أخلاقي بائس، حين أتهم مهاتير، أنور بأبشع النعوت كالشذوذ الجنسي والفساد المالي!.
مظاهر الصراع بين ثنائيّ السلطة في بلدنا، تجلت مرّة بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، حين حاول الثاني اغتيال الأول وتصفيته، ثمّ تواصل تآمره إلى أن قتله، ليتجدّد الصراع مرّة أخرى في انقلاب البعثيين عام 1968م، وما انتهى إليه من تصفية الرفاق، ثمّ تصفية صدام للبكر، لتنتهي ثنائية البكر ـ صدام. وهو عين ما حصل في السودان بين حسن الترابي وعمر البشير، حيث سادت لغة التآمر بينهما، بعد عهدٍ من التعاضد والتواصل، وقريب منه ما حصل في تونس على عهد الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، إذ لم يصبر الثاني حتى انقلب على الأول، بمساعدة زوجة بورقيبة، ما دفع به للموت ذليلاً معزولاً!.
لم ينجو الأنموذج التركي من صراع الثنائيات؛ مرّة بين عبد الله غول ورجب طيب أردوغان، وأخرى بين أردوغان وأستاذه فتح الله غولن، وثالثة بين أردوغان ورئيس وزرائه داود اغلو، والمرّة القادمة لا ندري بين أردوغان ومن؟!.
التأريخ السياسي الإيراني يعطينا أمثلة قريبة لهذه الثنائيات المتصارعة، من مصدق والكاشاني، والخميني ومنتظري، وهاشمي وخامنئي. وفي السعودية بين سلمان بن عبد العزيز ومقرن بن عبد العزيز، ثمّ بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف وهكذا!.
يعيدنا تأريخ إمارات الخليج إلى هذا الصراع، بين قابوس ووالده سعيد، وبين زايد وشقيقه شخبوط، وبين حمد ووالده خليفة، والآن بين خليفة بن زايد ومحمد بن زايد!.
هذه عشرون مثالاً لثنائيات في السلطة انتهت بنتيجة واحدة، هي تصفية أحد الطرفين للآخر، لما يؤكد أن القمة في السياسة لا تتسع إلا لواحد، ولا يشغلها سوى كرسيّ واحد، يزيح ذاتياً ما عداه، ما يعني أن السلطة بطبيعتها بسيطة لا تقبل الثنائية فضلاً عن التعدّد، لا فرق كما تكشف الأمثلة التي سقناها على سبيل الوصف من دون إصدار الأحكام؛ بين النظام الجمهوري والملكي، والعلماني والديني، والأفندي والمعمّم، ومن يلبس الثوب العربي والبدلة الغربية، الملتحي وغيره!
الإزاحة والاستئثار والتفرّد، هو قانون من أصلب قوانين بُنية السلطة وعملها، وما ثمة من كابحٍ في التجربة الإنسانية، إلا تقييد السلطة بفرض المزيد من القيود والرقابة عليها!.