هناك عرف عالمي قديم, يقضي في العادة اطلاق نعتٍ ما على هذا الانسان او ذاك, وليس بالضرورة ان يشمل الجميع بل يقتصر على البعض ممن يأتون بتصرف معين ويتمسكون به حتى يصبح جزءاً من شخصيتهم, فصفات او نعوت على غرار (كشخة) مثلاً او (كذاب) او (لغوي)... الخ, لا تطلقها الناس جزافاً الا على من يبالغ في لبسه واناقته وهندامه او على الذي يتحدث كثيراً حتى لا يكاد يتوقف عن الكلام وهكذا, كنا نطلق على صديقنا حامد ياسين لقب المجنون, وجنونه في الحقيقة من النوع الايجابي الى حد كبير, لأنه حين يضع هدفاً ما نصب عينيه لا ينتظر حدوث معجزة ولا يراهن على الزمن وانما يبدأ بالعمل على تحقيقه بكل ما أوتي من اندفاع وحماسة وهمة من دون ان يشعر بالتعب, والاهم من ذلك من دون أن ينتابه يأس, فقد يفشل ويعيد المحاولة مرة ثانية وثالثة ولن يثنيه شيء, حتى لو اعاد المحاولة للمرة العشرين.

حامد ياسين رفيق طفولة تعرفت عليه كوننا نسكن في محلة واحدة وبيوتنا الحائط على الحائط , ثم توطدت علاقتنا يوم دخلنا مدرسة الكرخ الابتدائية في مطلع العقد الخمسيني من القرن الماضي , وتواصلت رحلتنا الدراسية معاً في المتوسطة والاعدادية... مثلما أنهينا دراستنا الجامعية في العام الدراسي نفسه, ولم نفترق الا بعد التعيين, ومع ذلك كنا نتواصل عبر الزيارات او المكالمات الهاتفية... في التسعينات توطدت علاقتنا اكثر عندما تم كسبنا الى حزب البعث المقبور (لم يكن اسمه المقبور والا لرفضنا الانتماء اليه), واصبحنا بدرجة (مؤيد), وفيما بقيتُ أنا على هذه الدرجة اصبح رفيقي حامد بدرجة (نصير) في زمن قياسي بسبب اندفاعه الكبير لانه كما ابلغني. 

كان يطمح في الوصول الى عضو قيادة قطرية, لكن الاحتلال الاميركي حطم طموحاته المتطرفة.. الحقيقة فان علاقتنا بعد الاحتلال بلغت قمتها نتيجة التواصل الغريب في مسيرتنا المشتركة, حيث انتمينا معاً الى احد الاحزاب الجديدة المعادية لحزب البعث والمؤمنة بالعملية السياسية, لهذا لم استغرب بحكم علاقتنا الوطيدة ان يأتي لزيارتي قرابة الواحدة بعد منتصف الليل – كان ذلك في نيسان من العام الجاري- وقد سألني قبل ان استوضح منه عن سر الوقت الغريب للزيارة, ان كان تحت يدي مبلغ (50) مليون دينار, لانه جمع على حد تعبيره الى الان مبلغ (300) مليون, والمطلوب هو (350) مليون للحصول على منصب مدير عام, اعتذرت له وانا صادق, لان كل ما املكه هو (5) ملايين... رفض أخذها وأخبرني انه سيتدبر الامر من الاصدقاء الآخرين, الحق لم اسمع من قبل بحكاية بيع المناصب وشرائها, ولا انكر شعرت بالسعادة, وطلبت منه ان يتدبر لي (منصب حارس ليلي) في أي مكان.. استغرب من طلبي فأوضحت له (ان هذا المنصب هو الذي يناسب فلوسي), فضحك طويلاً وهو يغادر المنزل ظناً منه بأنني أمزح, فيما كنتُ على ثقة تامة بانه سيحقق

 طموحه!!