شذرات!

الصفحة الاخيرة 2019/07/22
...

 جواد علي كسّار
إبّان واحدة من محن الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، واجه المفكر الحضاري مالك بن نبي تعليم الكبار ومحو أميتهم، عبر منهجية التعليم السريع وبأسلوب الصدمات المعرفية، وقد أشرتُ إلى الواقعة مرّات، خاصة لجهة منهجيتها، إذا كانت منهجية مالك ترتدّ في نهاية المطاف إلى إعطاء معلومات يسيرة تُحِلّ مجهولاتٍ كثيرة.
أزعم أن لهذه المنهجية أساسها النظري في الحديث الشريف، سواء على مستوى فلسفة العلم والتعليم في الإسلام، أو على مستوى الإشارة الصريحة لها كما في الحديث الشريف: «يسير العلم ينفي كثير الجهل». فإذا كان الحديث هذا يؤشّر بجلاء إلى نظرية مالك القائمة على أساس إحياء الشخصية وتنويرها عبر معلومات يسيرة تهبها حقائق كبيرة ونافعة، فإن هناك أحاديث كثيرة في التعليم وفلسفته وجدواه، وفي حقله ومعطياته العملية وصلته بحركة الحياة ومعاش الناس تحديداً، خليق بنا أن نمرّ على بعضها من خلال هذه النصوص المنيفة:
• "كلّما ازداد علم الرجل زادت عنايته بنفسه". ففيه دلالة واضحة على العلاقة بين العلم وبناء الذات واحترام النفس.
• " العلم مصباح العقل". فيه إشعار إلى خمود الطاقة العقلية وركودها، وان العقل يُستثار بالعلم، وبه تنطلق قابلياته.
• في الحديث النبوي الشريف: "أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علماً".
 •  "أعزّ العزّ العلم، لأنّ به معرفة المعاد والمعاش". يدفع النصّ تلك النظرة التي تزوي بالعلم في بُعد واحد، كأن يكون للآخرة وحدها أو للدنيا وحدها، ويصله بمعاش الناس وحياتهم.
"العلم مميت الجهل"، «العلم قاتل الجهل ومكسب النبل»، «العلم محيي النفس، ومنير العقل، ومميت الجهل»، «بالعلم تكون الحياة»، «اكتسبوا العلم يكسبكم الحياة». كلّها دالّة على دور العلم في ابتعاث المجتمعات وإحيائها، وإخراجها من هزالها وذلّها وعبثيتها وهامشيتها.
• كدالّة حضارية على مكامن الثروة، نقرأ في الحديث الشريف: «العلم كنز»، لكن أيضاً مع العمل: «ثروة العاقل في علمه وعمله".
• العلم يُخرج الشخصية من حيرتها ويحرّرها من ضياعها، ويضعها في سياق هادف: «العلم يُنجي من الارتباك في الحيرة".
• لا سبيل إلى النهضة والتقدّم إلا بالعلم: «إن قليل العمل ينفع مع العلم، وإنَّ  كثير العمل لا ينفع مع الجهل». في هذا الحديث النبوي إشارة إلى أحد أركان نظرية النهضة، متمثّلة بنقد النشاطات والفعاليات القائمة في مجتمعاتنا وبلداننا على أساس التراكم المحض والتكديس، ودعوة لتأسيس الفعالية على أساس عقلاني تدبيري.
في موضع العبرة، إننا بحاجة إلى هذه المنهجية في القضاء على الأمّية في بلدنا، خاصة أمّية الكبار. كما نحن بحاجة إليها على مستوى التنمية الإنسانية والاجتماعية، وكيف يخرج الإنسان من اعوجاجات الذوق والسلوك والنظرة الضيّقة، إلى آفاق العالم وما بلغه، وذلك كشرط للقضاء على التخلّف المريع الذي نعيش تحت وطأته، ويبدو ظاهراً في مرافق حياتنا جميعاً.