حميد المختار 

         

حين مات سيد هاني النوري حزنت كثيراً واخبرت زوجتي بان ثمة مجلس عزاء يقام في العمارة على روح السيد هاني وان سلمان الفريجي صديقي ذهب الى هناك، قلت ذلك لست مازحا انما بيقين الشخص المسرنم الذي غرق في اجواء الرواية وصار واحداً من شخوصها الغامضين وربما صار معلماً من معالم الجسر الذي التقى عليه الحبيبان، من هنا استطاعت الرواية ان تفترق عن كاتبها وتلتصق بالقارئ، القارئ الموارب والحي الذي يتنفس الاحرف والاسطر ويستنشق عبق النهر الجاري على مدى الزمان بمرور الحيوات الماضية والقادمة، ثمة حب يخلق الحياة وحياة تنتشي بمخلوق الحب وهناك بكارة وعذرية تمتزج في تلك الاحرف ، كيف تأتى كل ذلك وكيف شعرت به و انا اقرأ رواية (عركشينة السيد) للكاتب الصديق سلمان كيوش؟ لم اشعر بكل ذلك لانني صديق الكاتب انما شعرت بذلك العبق لانني صديق السيد هاني وهو شخصية مختلفة ليس لها وجود الا  في صفحات الرواية ولانني صديق الجسر والنهر والحياة والموت ، من هنا نبعت بكورة الرواية وطهرانيتها التي منحتني احساس الوليف القريب الذي سيشارك البطل ويبكي بصوت عال على السيد هاني في مجلس الفاتحة، ليحمل هذا البكاء مصداقية هائلة يؤثثها الكاتب وهو يدوّن احداث الرواية، واية احداث هي ، انها قصة حب خالدة كقصة روميو وجوليت وقيس وليلى وثمة النهاية التراجيدية المعتادة ايضاً في تلك القصص الاسطورية ، لكن هنا سيشارك العاشقين اشخاص من جنس آخر انهما الجسر والنهر الولود ، النهر الحلم والقبر الجاري في الحياة ذلك الذي سيحتضن السيد في امواجه اللينة الحنون انه أمٌ رؤم آخرى للكائن البشري وهو هنا كائن بشري سيتخلى عن هشاشته حين يستسلم لرحمة النهر وسريره الذي أسره فصار سره وسريرته لقد منحنا كيوش متعة لغوية هائلة بمقدرة توازي جسامه الحدث التراجيدي وصولاً الى تقديمه رواية طهرانية عالية النقاء قادرة على استيعاب هشاشات العالم ومنحه المقدرة على تحمل اعباء الحياة وان تخلى عنها في لحظة ضعف او مرض او عشق لكن بالنتيجة هو خلاص ما يمنحه الكاتب بعد ان قدم قرابين الآلهة بجسد مقدس ذلك الجسد الذي حمل روحاً عاشقةً أخلصت لمعشوقها اياً كان ذلك المعشوق ، حتى وان كان تلك المرأة التي تخلّت عن حبها وحبيبها وتزوجت مستسلمة لعرف بالِ وتقاليد متهرئة ، لكن السيد هاني بقي مخلصاً لخلاصه الذي اكتشفه من خلال حبه العظيم وقدم لنا بذلك رائعة من روائع الاساطير التي ستضاف في قابل الاعوام والزمن الى لائحة الاعمال  السردية المحتفية بالحياة من خلال الموت ....