التنوير والدين.. أية وصاية ممكنة؟

ثقافة 2019/08/25
...

بغداد/ ابتهال بليبل
 
أقامت جمعية الثقافة للجميع محاضرة للمفكر الدكتور رسول محمد رسول عن (التنوير والدين.. أية وصاية ممكنة؟) بحضور نخبة من الأدباء والمثقفين والمهتمين بالشأن الفلسفي.
وابتدأت الجلسة بحديث الشاعر جاسم العلي الذي ادارها وعن عنوان الجلسة، إذ يضم أكثر من تساؤل، فالتنوير هو أعلى مراحل الفلسفة، أو لما وصلت اليه الفلسفة عابرة كل الحضارات وفلسفاتها القديمة.  
 
سيرة
ورسول محمد رسول- مفكِّر وناقد وروائي وأكاديمي متخصِّص في الفلسفة الألمانية، ولد في مدينة الكوفة عام 1959، انتقل للعيش في العاصمة بغداد عام 1964، وفيها بدأ حياته طالباً في مدارسها، ومن ثم الانطلاق في حياته الثقافية الأدبية لاحقا. 
ففي عام 1994، حصل على الماجستير في الفلسفة الألمانية الحديثة، واختار تخصص الميتافيزيقا في شهادة الدكتوراه عام ١٩٩٧، عمل أستاذاً في عدد من الجامعات العربية والخليجية، وباحثاً في عدد من مراكز البحث العلمي العربية والخليجية، عضو الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقي، وعضو جمعية العراق الفلسفية. شارك في تأسيس (بيت الحكمة) العراقي عام 1997، وعمل باحثاً في (منتدى الفكر العربي) عمّان - الأردن عام 1999، وباحثا في (مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية)، ومستشاراً في جائزة الشيخ زايد للكتاب (2012 - 2013)، كما وقد أسس دار نشر (تنويريات للنشر) في العراق، ولديه أكثر من (٣٦) كتاب في محاور عدة منها الفلسفة الألمانية والفلسفة الحديثة، والفكر العربي، والعلاقة بين الغرب والإسلام، والنقد السردي، وله روايتان، و(١٠) كتب مشتركة.
كانت محاضرة الدكتور رسول محمد رسول قد بدأت، بحديث عن نهاية القرن السابع عشر وصولا نهاية القرن الثامن عشر ودعوات النظر في مفهوم الوصايا. 
 
المتن الديني
وخلال الجلسة، تناول الدكتور رسول، الدين بوصفه حقيقة روحية موضوعية في حياة الإنسان لا فكاك منها، إذ لا يمكن “ الشطب الراديكالي للقداسة الدينية - تزفتان تود وروف”.
كما وركز المحاضر على الدين في وجوده العام، بوصفه ايماناً، قال خطابه بتمامه من دون نقصان، هذا المتن الديني لا ينبغي فهمه – بحسب الفاهمة التدينية- منظومة رياضية صبت كنونتها في لغة رقمية مكن حسابها من دون أخطاء، فالدين اعتمد وسيطاً لغوياً للتعبير عن مكنونه، وله بنية وعلامات دالة على وجوده، ومعلوم أن الوسيط اللغوي حمال أوجه في دلالاته، وهنا ينفتح الدين للتبين والشرح البسط والتفسير والتأمل بغية الوصول إلى ذلك المكنون، ولا ريب أن الأنسان هو الذي يمسك زمام هذه المسالك منذ انبثاق شمس الأديان. وتوقف عبر المحاضرة عند حرية الدين بوصفه انفتاحاً على الغير، انفتاح المطلق المفارق على المُحاث، ورسالة الله تصل إلى الناس عبر نبي مرسل معلوم الاصطفاء، ويسمح الدين بالأيمان بها وفهمها وتعقيلها على نحو مباشر لكونها مبذولة القراءة لصالح كل الناس بفعل الاشهار المقدس الذي ارتضاه الدين لنفسه، وأن غمض أو أشكل على الناس أي جانب من رسالة الدين فالأسوة بالنبي أولا وفقهاء الدين ثانيا اولئك الذين تحدثون من التفقه في خطاب ورسالة 
الدين. وقال أيضا أن الدين لا يبدو سوى ماهية تنويرية من حيث اهتمامه بالإنسان، لا سيما الفهم والعقل الإنساني، وبما أن الدين يضع الإنسان على مسطرة مستقبله، فهو يملك رسم الغد للإنسان، سواء الغد الدنيوي أو الاخروي، من دون أن يكون هذا الرسم وصاية سوى ما يتعلق بصميم الدين الخاص بمصير الإنسان بعد الموت.
 
التنوير لا يعاصرض الدين
وبين المحتفى به أن التنوير ليس وثنياً ولا يبغي الوثنية، ولا يصطفي إلها غير الله، ولا ينظر للعقل بوصفه أحد الالهة المقدسة ليبرمه بديلا عن الله ويدعو الناس اليه، فلا إله غير الله.
وتحدث أيضا عن التنوير، وكيف أنه يدعو إلى العمل بالعقل ضمن ممكناته التي وهبها الله للإنسان وعاه إلى اعمالها فهما في معاش الحياة للتحرر من الأوهام والخرفات والأساطير وسلطة الخيال الجامحة التي تتج الخداع والخوف والياس من مكانة الانسان المأمولة خيرا في الوجود.
لا يهدد التنوير، حسب المحاضر، أحد من الناس سواء كان فردا أم جماعة عندما يطلق العنان لقرار الإنسان ذاته الذي يتخذه لكي يتحرر من الخرافة والاساطير والشرك بالله، التنوير ليس ضد الدين ولا يهدده وأن جرى فذلك وهم لابد من تفكيكه وبرمه لعزله تقويضا ونسف اباطيله. ويرى الدكتور رسول محمد رسول أن التنوير لا يعكر صفو الايمان بالله، ولا احترام مقدسات الله وعلاقة الانسان الشخصية بها، أن التنور يُقدم نفسه كنمط تفكيري وفهم وتعقل يوازي الفكرة الايمانية بالله، لطالما الانسان قاسمهما المشترك، لذلك لا يومن التنوير بكل ما هو وهم وخيال خرافي الذي لا يرضي به الايمان بالله نفسه، بل يناقضه ويقف على الضد منه، وبذلك يقدم التنوير نفسه كوصاية مطلقة.
التنور يقين مفكر فيه يؤديه الإنسان لكونه صانعه بغية التحرر من ربقة خيبة السكون لصالح نبض التقدم، ومن الظلام لصالح نور الحرية، ومن الخرافة والأسطورة لصالح التفكير العلمي الممكن تداوله في معاش الوجود على نحو مُحايث من دون الاخلال بمكانة حضورية الله في الوجود، على حد قوله.  وتخللت جلسة المحاضرة العديد من المداخلات والاستفسارات والاسئلة المتعلقة  بالتنوير والدين ومدى تأثيره كل منها في المجتمع، وكذلك توقفت المداخلات المشاركة حول فكرة التعّقل والتفكر وغيرهما.